الحسين بكار السباعي: أي تشريع وقضاء لحماية طفولتنا

الحسين بكار السباعي: أي تشريع وقضاء لحماية طفولتنا الحسين بكار السباعي
إستقلال السلطة القضائية وماتبعه من تعديلات هامة، في محاولة لفصل السياسي عن القضائي، من أجل تقوية مرفق القضاء كسلطة مستقلة عن باقي السلطتين التشريعية والتنفيذية أمر حرص معه المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تمكين السادة القضاة من آليات وبرامج الاشتغال بما يكفل تطوير وتقوية مركزهم الوظيفي في صناعة العدالة، وبانفتاحهم على الجانب الحقوقي والأكاديمي والمجتمعي وهو ما نتتبعه ونلمسه في عديد من الاحكام التي نلامس فيها قناعة القاضي المستحضر لكل تلك الجوانب الهامة في صناعة الحكم، اللهم ما استثني منها وثم تداركه في مراحل الطعن لإرجاع الأمور الى مجراها الصحيح والسليم  مسطرتا وموضوعا.

والحماية القانونية لها مظاهر كثيرة منها ما هو إجتماعي وأسري و مدني وتجاري و حتى إداري وكذلك الأهم  الجنائي، فالقضاء دون منازع هو الضامن للحقوق والحريات.
 
نعود بالمتلقي الكريم، إلى قرار غرفة الجنايات الإبتدائية بالرباط والذي ستعاد مناقشته أمام غرفة الاستئناف الجنائية بذات المحكمة باعتبار أن الاستئناف يعيد نشر الدعوى من جديد، قرار ابتدائي جنائي نعتبره نشازا واستتناءا، أسال الكثير من المداد وحرك جمعيات حقوقية كثيرة فقضية قاصر تيفلت أو هذا قرار الغريب شرعا وقانونا ، الذي اعاد النقاش القانوني إلى الواحة من جديد فيما يتعلق بسلطة القاضي التقديرية في أعمال ضروف التخفيف من عدمه  وما مستدل القاضي في هذا التنزيل خالة وضوع النص المشدد للعقوبة في قضايا الاعتداءات الجنسية على الأطفال، وقائعة خطيرة بالنظر لسن الضحية وبشاعة الفعل الجرمي المرتكب بالتعدد والتهديد.

حاجتنا ملحة إلى نجاعة قضائية تحمي المجتمع وحاجتنا لا تقتصر فقط على القضاء الزجري لوحده  لبناء قاعدة حمائية لحقوق الطفل والحد من مثل جرائم الاغتصاب وهتك العرض التي يقع ضحيتها أطفال في عمر الزهور، إلى آليات ولبنات متكاملة بدءا من اجراءات البحث التمهيدي ومرورا باجراءات التحقيق واصدار الأوامر القضائية بالمتابعة لنصل الى مساءلة  جودة الأحكام القضائية والنجاعة التي تكفل حماية الحقوق والحريات.
 
ورجوعا إلى الترسانة التشريعية وفي إطار النقاش الحقوقي الذي اثاره الحكم المشار إليه سلفا، فتبقى بطبيعتها لبنة جوهرية وآلية لإفراغ الملامسة القانونية والمؤسساتية للطفل بالقانون، حيث أن المغرب أكد وبموجب دستور 29 يوليو 2011، على صيانة الحريات والحقوق خصوصا للطفل وحماية سلامته وحياته، حقه في العلاج والحماية الاجتماعية وفي التعليم والتنشئة الوطنية. 

وعلى الخصوص الفصل 32 المؤكد على الحماية القانونية للطفل، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لهذه الفئة الهشة، وأيضا أحداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة كهيئة دستورية بنص القانون 78.14 الذي له الدور الأساسي في تفعيل هذه الحماية.

ونرى أنه وبخصوص ما بات يعرف بقضية طفلة تيفلت ومن وجهة نظرنا فإن العقوبة المتصلة بالفعل الجرمي المرتكب من طرف المتهمين سنتين حبسا نافدا، فتحديد هذه العقوبة في نطاق النصوص القانونية الواجبة التطبيق وبالنظر لوقائع الملف ولسن (12 سنة) الضحية ولعملية الاغتصاب والافتتاض الناتج عنه حمل.
أقول أن طبيعة الفعل وتعدد الجنات وسن الضحية وما جاء به الحكم غير منطقي.

حيث ينظر القانون إلى جريمة الاغتصاب باعتبارها مساس بشرف المرأة المغتصبة وشناعة الفعل أخلاقيا وبشاعته، فما بالك إذا وقع على طفلة لا تتجاوز 12 سنة. 
مواقعة المرأة دون رضاها من أهم أركان جريمة الاغتصاب، أي غياب حالة الرضا عند المرأة في العلاقة التي تحدث دون إرادتها وهنا يفرق القانون بين هذه الجريمة والجرائم الجنسية الأخرى بإكراه الضحية على الفعل وترهيبها وتشدد طبعا في حالة مادون 18 سنة.

لذلك يختلف هذا المفهوم عن قضايا الفساد والزنا الأخرى التي تصنف أي علاقة نسية بين رجل ومرأة خارج إطار الزواج، من خلال وجود عنصر الرضا في الجريمة الثانية.

وضع القانون المغربي عقوبة لجريمة الاغتصاب وحدد بعض الحالات التي تخفف فيها العقوبة والحالات التي تشدد فيها، وذكر أن العقوبة تكون السجن لمدة تصل إلى عشر سنوات.

بينما تكون العقوبة في حالة صغر سن الضحية عن 18 سنة، أو أن تكون الضحية لديها مرض عقلي أو نفسي أو عجز كذلك في حالة حملها بطفل أثناء وقوع الجريمة السجن لمدة تتراوح من 10 إلى 20 سنة.
وبالتالي يكون الحكم الصادر في حق من هتك عرض على الطفلة غير مطابق للقانون بتاتا.
 
ولحماية الضحية الطفل والمرأة على النحو الأمثل من كل أشكال العنف والاعتداءات الجنسية بما فيها التحرش، يقتضي الأمر من وجهة نظرنا، الإسراع في تحقيق نقلة حقيقة في تأويل القانون وتطبيقه، بشكل يسمح، على وجه التحديد، باعتبار الاعتداء الجنسي بمثابة اعتداء على السلامة الجسدية وتشديد العقوبات في حالة الاعتداء على الأطفال وردع مثل هذه الجرائم بشكل لا مجال فيه لأي تراجع أو تنازل أو تواطئ أو هروب من قبضة العدالة، من أجل أطفالنا ومن أجل مغرب جدير بأطفاله.