موجات الغلاء تكشف وضعية جدّ صعبة لم يعرفه المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي، إذ بلغ مستوى قياسي، في بعض المواد برقمين. وهذا خطير جدّا. فحسب الإحصائيات التي نشرتها المندوبية السامية للتخطيط فهناك ارتفاع أعداد الفقراء وتفقير شريحة عريضة من المواطنين الذين صاروا يستهلكون مدّخراتهم.
وفي رمضان الكريم تعرف زيادة في الإستهلاك، مما يثقل كاهل عدد من الأسر في مغرب اليوم ويضطرّهم للّجوء إلى آليات أخرى، خصوصا في المواد الأساسية التي تعد ضرورية في الوجبات الرمضانية، وعلى وجه الخصوص التمور والبطاطس والطماطم واللحوم بأنواعها والأسماك، وهو ما يجعل قفة الأسرة المغربية ارتفعت بنسبة 100 بالمائة إن لم نقل 150 في المائة عما كان عليه من ذي قبل، مما سيزيد الفقير فقرا، ويؤزّم وضعية الأسر، خاصة في ظل ارتفاع البطالة داخل الأسر المغربية، وأزمة الجفاف، رغم التساقطات المطرية الأخيرة التي لن تكفي لسد رمق عيشهم وكفاية حاجياتهم وحاجاتهم أمام هذا موجات الغلاء المتفاقمة.
هذا الوضع سيساهم في الضّغط النّفسي على الأسر، وسيخلق توترات في القادم من الأيام، خاصة وأن بنك المغرب قرّر الزيادة في سعر الفائدة الرئيسي والمديري، والذي يهدف إلى تقليص الطّلب، ممّا سيرفع نسبة الفائدة في القروض الإستهلاكية وقروض السّكن وغيرها، مما سيكون له انعكاس على الإستثمار، وسيكون الوضع لدى الشركات أصعب في النّمو، مما سيقلّص من العمالة، أي نسبة البطالة سترتفع بشكل غير مسبوق حسب المناطق، ونهاية السنة لن تكون جيّدة بالنسبة للإقتصاد المغربي، وأمام ما نعيشه اليوم لن يكون هناك أيّ انفراج.
وبموازاة مع ذلك، ليس هناك أيّ تحرك فعلي للحكومة للحدّ من موجات هذا الغلاء المتراكم، من غير إجراء بنك المغرب الذي يهدف إلى التّقليل من الطلب. وهذا الطلب أساسا مقلّص في المغرب، لأن هذا الإجراء يمكن اعتماده في الدّول التي تعرف نسبة بطالة منخفضة ونسبة نموّ جيد. وبالنسبة للمغرب الذي يعتمد على المناخ والتساقطات المطرية والأسواق الخارجية هذا الإجراء سيزيد في قهقرة الإقتصاد المغربي وفي ركود. والركود هو فترة يصعب الخروج منها، لأنّ تكلفتها الإجتماعية جدّ غالية.
وبخصوص أسعار تكلفة الإنتاج في المغرب فليس هناك أيّ إجراء حكومي فعّال للتّخفيف من الأثمنة التي ما تزال مرتفعة في النّفط، خاصة في ظل الإنخفاض الدولي، والإرتفاع المحلي مما يزيد في الضغط على المنتجات الاستهلاكية الموجهة للمواطن المغربي، الذي كان الله في عونه أمام هذا الوضع، وستزداد الهشاشة في ضواحي المدن وحواضرها وفي القرى، وسيمسّ الأسر الهشة من نساء مطلقات، عمال موسميين، عاملات موسميات، مياومين... الذين ستكون وضعيتهم صعبة وسيعيشون ضغطا، خاصة وأنه بعد رمضان سيحل عيد الأضحى، إن لم تعجّل الحكومة بسنّ تدابير للحدّ لمواجهة موجة التضخم، وستكون الأسر المغربية في وضع لا تحسد عليها وغير مسبوقة.
الدكتورة عائشة العلوي/ خبيرة اقتصادية وأستاذة جامعية