كيف أمسك المغرب بمفاتيح الزعامة الإقليمية فـي إفريقيا

كيف أمسك المغرب بمفاتيح الزعامة الإقليمية فـي إفريقيا انطلاقا من 2000 انتقل المغرب من الشراكة السياسية إلى شراكة متعددة الأبعاد مع إفريقيا
كشفت‭ ‬الزيارات‭ ‬الملكية‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬في‭ ‬عمقها‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬عن‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬"الشراكة‭ ‬السياسية"،‭ ‬التي‭ ‬أرساها‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬وارتكاساته‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬"إكراهات‭ ‬الاستعمار‭ ‬الجديد"،‭ ‬إلى‭ ‬مفهوم‭ ‬"الشراكة‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد"‭ ‬التي‭ ‬تضع‭ ‬البعد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الاتفاق‭ ‬الإفريقي-‭ ‬الإفريقي‭. ‬كما‭ ‬أوضحت‭ ‬تلك‭ ‬الزيارات‭ ‬انفتاح‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬شرق‭ ‬إفريقيا‭ ‬وجنوبها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬مجال‭ ‬الحضور‭ ‬الملكي‭ ‬يمتد‭ ‬ليشمل‭ ‬منطقة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬ليتوج‭ ‬باستعادة‭ ‬المغرب‭ ‬لمقعده‭ ‬الإفريقي،‭ ‬بحصوله‭ ‬على‭ ‬عضوية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬نهاية‭ ‬يناير ‬2017،‭ ‬بعد‭ ‬غياب‭ ‬دام‭ ‬حوالي‭ ‬33‭ ‬سنة‭.‬
 
وتحتل‭ ‬السنغال‭ ‬صدارة‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬استقبالها‭ ‬للزيارات‭ ‬الملكية‭ ‬الرسمية،‭ ‬حيث‭ ‬زارها‭ ‬الملك‭ ‬8‭ ‬مرات،‭ ‬وهذا‭ ‬معطى‭ ‬يفسره‭ ‬الطابع‭ ‬الاستثنائي‭ ‬للعلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬السنغالية،‭ ‬كما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬تقرير‭ ‬للمعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للدراسات‭ ‬الإستراتيجية،‭ ‬حيث‭ ‬تعتبر‭ ‬دكار‭ ‬صاحبة‭ ‬أكبر‭ ‬المواقف‭ ‬دعما‭ ‬وثباتا‭ ‬للمغرب،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬وحدته‭ ‬الترابية‭.‬
 
وتحنكر‭ ‬منطقة‭ ‬الغرب‭ ‬الإفريقي‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الزيارات‭ ‬الملكية،‭ ‬حيث‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬دولة‭ ‬الغابون،‭ ‬بما‭ ‬مجموعه‭ ‬7‭ ‬زيارات‭ ‬ملكية‭ ‬رسمية،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الغابون‭ ‬يعتبر‭ ‬بدوره‭ ‬من‭ ‬الحلقات‭ ‬المحورية‭ ‬القوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬داخل‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬والذي‭ ‬برز‭ ‬بقوة‭ ‬خلال‭ ‬معركة‭ ‬حصول‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬عضوية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭.‬
 
أما‭ ‬المركز‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عدد‭ ‬الزيارات‭ ‬الملكية،‭ ‬فتحتله‭ ‬دولة‭ ‬الكوت‭ ‬ديفوار‭ ‬التي‭ ‬استقبلت‭ ‬الملك‭ ‬خمس‭ ‬مرات،‭ ‬آخرها‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬شهر‭ ‬نونبر‭ ‬2017،‭ ‬بمشاركة‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬القمة‭ ‬الأوروبية‭ ‬الإفريقية"،‭ ‬كما‭ ‬تحتل‭ ‬غينيا‭ ‬التي‭ ‬لعب‭ ‬رئيسها‭ ‬ألفا‭ ‬كوندي‭ ‬دورا‭ ‬حيويا‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬عودة‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي،‭ ‬بصفته‭ ‬رئيس‭ ‬المنظمة،‭ ‬الرابع‭ ‬باستقبالها‭ ‬للملك‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬بشكل‭ ‬رسمي،‭ ‬مثلها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬موريتانيا‭.‬
 
وفيما‭ ‬زار‭ ‬الملك‭ ‬دولة‭ ‬مالي‭ ‬مرتين،‭ ‬استقبلت‭ ‬عشرون‭ ‬دولة‭ ‬افريقية‭ ‬أخرى‭ ‬ملك‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬رسمية‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تونس‭ ‬ومصر‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الجزائر‭ ‬التي‭ ‬زارها‭ ‬الملك‭ ‬عام‭ ‬2005‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭.‬
لقد‭ ‬دشن‭ ‬التحرك‭ ‬الملكي‭ ‬نحو‭ ‬إفريقيا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الزيارات‭ ‬والجولات‭ ‬المتعددة،‭ ‬لمفهوم‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬دبلوماسية‭ ‬الفعل‭ ‬الواقعي‭ ‬الذي‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬نسج‭ ‬علاقات‭ ‬إيجابية‭ ‬نفعية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭.‬

 
وكان‭ ‬قرار‭ ‬المغرب‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬حظيرة‭ ‬منظمة‭ ‬الوحدة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬سنة‭ ‬2017،‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬دلالات‭ ‬قوية‭ ‬تتمثل‭ ‬في:
- قدرة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬الترويج‭ ‬لقضية‭ ‬وحدته‭ ‬الترابية،‭ ‬وإسماع‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬حول‭ ‬نزاع‭ ‬الصحراء،‭ ‬وهو‭ ‬مكسب‭ ‬أساسي‭ ‬يفسر‭ ‬نجاح‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬مساعيها‭ ‬الاقليمية‭.‬
- تعويض‭ ‬سياسة‭ ‬المقعد‭ ‬الفارغ‭ ‬والترجمة‭ ‬الفعلية‭ ‬لمفهوم‭ ‬الاحتواء‭ ‬والاختراق‭ ‬للقارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬سياسيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬وروحيا،‭ ‬وقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬الخصوم‭.‬
- استغلال‭ ‬التوازنات‭ ‬الإقليمية‭ ‬الحالية‭ ‬للامساك‭ ‬بخيوط‭ ‬ومفاتيح‭ ‬الزعامة‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالمغرب‭ ‬كبوابة‭ ‬رئيسية‭ ‬نحو‭ ‬إفريقيا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأوروبا،‭ ‬وإشراكه‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬تحالفات‭ ‬صلبة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا‭.‬
- الرد‭ ‬العملي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المناوشات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وذلك‭ ‬بالاستمرار‭ ‬في‭ ‬كسب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التأييد‭ ‬الإفريقي‭ ‬لقضية‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭. ‬
-‭ ‬التفوق‭ ‬في‭ ‬حشد‭ ‬التأييد،‭ ‬حيث‭  ‬قدمت‭ ‬28‭ ‬دولة‭ ‬طلبا‭ ‬إلى‭ ‬أمانة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬تدعو‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬تعليق‭ ‬عضوية‭ ‬البوليساريو‭ ‬كخطوة‭ ‬أولى‭ ‬لتمكين‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المنظمة‭.‬
- دعم‭ ‬المحاور‭ ‬الإقليمية‭ ‬للطرح‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬وترسيخ‭ ‬الشراكة‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬ومجموعة‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬الصديقة‭ ‬للمغرب‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬محور‭ ‬الجزائر‭ ‬الذي‭ ‬أثبتت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشواهد‭ ‬فشله‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬النفوذ‭ ‬والتأثير‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬انهيار أسعار‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬واستفحال‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭.‬

 
 
إن‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬الملك‭ ‬لإفريقيا،‭ ‬بحكم‭ ‬تكوينه‭ ‬الأكاديمي‭ ‬واطلاعه‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬المصالح‭ ‬الوطنية‭ ‬وتعضيدها،‭ ‬هو‭ ‬نموذج‭ ‬لشراكة‭ ‬تكاملية‭ ‬ومندمجة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬المستوى‭ ‬المادي‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وتقدم‭ ‬بدائل‭ ‬استراتيجية‭ ‬ناجحة‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬معادلة‭ ‬"رابح-رابح"،‭ ‬والتعويل‭ ‬على‭ ‬المدخل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬كمقاربة‭ ‬واقعية‭ ‬تمهد‭ ‬الطريق‭ ‬لتفاهمات‭ ‬وتوافقات‭ ‬أخرى‭ ‬تخدم‭ ‬أهداف‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭.‬
 
فبداية‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2000‭ ‬انتقل‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬الشراكة‭ ‬السياسية-‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬محدودية‭ ‬نتائجها،‭ ‬إلى‭ ‬شراكة‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬البعد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬راهن‭ ‬عليه‭ ‬الملك‭ ‬كثيرا‭ ‬لتحقيق‭ ‬تقارب‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬إفريقيا‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬وضمان‭ ‬تأييدها‭ ‬الكامل‭ ‬للمغرب‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭. ‬وقد‭ ‬استطاع‭ ‬الملك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ذلك‭ ‬كسب‭ ‬أصوات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬التي‭ ‬تراجعت‭ ‬عن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالبوليساريو،‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬إجراء‭ ‬عملي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬إعفاء‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬الفقيرة‭ ‬من‭ ‬الديون،‭ ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬بداية‭ ‬إستراتيجية‭ ‬اقتصادية‭ ‬محكمة‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬تأسس‭ ‬للرجوع‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬الإفريقي‭ ‬واحتلال‭ ‬مكانة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬متميزة‭.‬
 
لقد‭ ‬شدد‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬أمام‭ ‬القمة‭ ‬الإفريقية‭ ‬الأوروبية‭ ‬بالقاهرة ‭ ‬3أبريل‭ ، ‬2000 ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬تفكير‭ ‬جماعي‭ ‬حول‭ ‬"تصورات‭ ‬ومناهج‭ ‬جديدة‭ ‬تكون‭ ‬بداية‭ ‬لمشروع‭ ‬كبير‭ ‬وطموح‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬ظروف‭ ‬جديدة‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬إفريقيا‭ ‬من‭ ‬وضعيتها‭ ‬الحالية‭ ‬بدءا‭ ‬بإعلان‭ ‬حرب‭ ‬شاملة‭ ‬ونهائية‭ ‬ضد‭ ‬الفقر"‭.‬
 
 
 
وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المديونية‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬المشاغل‭ ‬الإفريقية‭ ‬التي‭ ‬تعوق‭ ‬مسار‭ ‬التنمية‭ ‬وانسجاما‭ ‬مع‭ ‬حرص‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬ربط‭ ‬علاقات‭ ‬متينة‭ ‬وراسخة‭ ‬مع‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬تتجاوز‭ ‬المصالح‭ ‬والاعتبارات‭ ‬الظرفية،‭ ‬فقد‭ ‬أعلن‭ ‬الملك،‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬القمة،‭ ‬عن‭ ‬"إلغاء‭ ‬جميع‭ ‬ديون‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬الأقل‭ ‬نموا‭ ‬تجاه‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬وعن‭ ‬رفع‭ ‬كل‭ ‬الحواجز‭ ‬الجمركية‭ ‬عن‭ ‬المواد‭ ‬المستوردة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البلدان"‭.‬
 
كما‭ ‬تكرست‭ ‬معالم‭ ‬السياسة‭ ‬الملكية‭ ‬تجاه‭ ‬إفريقيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تأكيد‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬الشراكة‭ ‬الإفريقية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تأكيده‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬«ملتزمة‭ ‬بتقديم‭ ‬سندها‭ ‬الكامل‭ ‬واللامشروط»‭ ‬لنجاح‭ ‬مبادرة‭ ‬الشراكة‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تنمية‭ ‬إفريقيا‭ ‬«النيباد»‭.‬
 
وقد‭ ‬أبرز‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬أمام‭ ‬القمة‭ ‬الإفريقية‭ ‬الأوروبية‭ ‬الثانية‭ ‬والعشرين‭ ‬«باريس‭ ‬20‭ ‬فبراير 2003)،‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التنموية‭ ‬الشمولية‭ ‬والمندمجة‭ ‬التي‭ ‬انخرطت‭ ‬فيها‭ ‬إفريقيا،‭ ‬تقديرا‭ ‬منها‭ ‬لأهمية‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬ترفعها‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬النيباد‭ ‬«يوفر‭ ‬أرضية‭ ‬مثالية‭ ‬لشراكة‭ ‬إفريقية‭ ‬بينية‭ ‬متميزة‭ ‬ولتعاون‭ ‬دولي‭ ‬فاعل»‭.‬
 
ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬شكل‭ ‬موضوع‭ ‬الماء،‭ ‬واعتبارا‭ ‬للمكانة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬يحتلها‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬معالم‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬جانبا‭ ‬آخر‭ ‬ضمن‭ ‬الاهتمامات‭ ‬الملكية،‭ ‬حيث‭ ‬دعا،‭ ‬خلال‭ ‬نفس‭ ‬القمة،‭ ‬المجموعة‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬مبادرة‭ ‬"حقيقية‭ ‬وجريئة‭ ‬وسخية‭ ‬وواقعية‭ ‬تجاه‭ ‬إفريقيا"‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الماء،‭ ‬مشددا‭ ‬جلالته‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الإنسانية‭ ‬تشعر‭ ‬بالحاجة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬لتفعيل‭ ‬رؤية‭ ‬كونية‭ ‬ومندمجة‭ ‬لتدبير‭ ‬الماء‭.‬
 
كما‭ ‬عبر‭ ‬الملك‭ ‬عن‭ ‬استعداد‭ ‬المغرب‭ ‬للالتزام‭ ‬الدائم‭ ‬والكامل‭ ‬بهذا‭ ‬المشروع‭ ‬الكبير،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬استعداد‭ ‬المملكة‭ ‬لمشاطرة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬"ما‭ ‬استخلصته‭ ‬من‭ ‬نجاحاتها‭ ‬وإخفاقاتها‭ ‬من‭ ‬عبر‭ ‬جاعلة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز‭ ‬الكبير‭ ‬نموذجا‭ ‬مجسدا‭ ‬للأخوة‭ ‬الحقيقية‭ ‬والتضامن‭ ‬الفعال"‭.‬
 
وقد‭ ‬لقي‭ ‬الاقتراح‭ ‬الملكي‭ ‬المتعلق‭ ‬بمجال‭ ‬الماء‭ ‬ترحيبا‭ ‬واسعا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القمة،‭ ‬حيث‭ ‬عبرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬عن‭ ‬أملها‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إشراك‭ ‬المغرب‭ ‬بشكل‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬تعاون‭ ‬متعدد‭ ‬الأطراف‭ ‬بخصوص‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬الهام‭.‬
 
وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬آخر‭ ‬وتجسيدا‭ ‬للمبادرات‭ ‬الملكية‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‭ ‬بالقارة‭ ‬السمراء،‭ ‬فقد‭ ‬احتضنت‭ ‬مدينة‭ ‬الرباط‭ ‬في‭ ‬27‭ ‬فبراير‭ ‬2002‭ ‬قمة‭ ‬مصالحة‭ ‬بمبادرة‭ ‬ملكية‭ ‬حضرها‭ ‬رؤساء‭ ‬دول‭ ‬اتحاد‭ ‬حوض‭ ‬مانو‭ ‬(ليبيريا‭ ‬وسيراليون‭ ‬وغينيا)‭.‬ وقد‭ ‬وقع‭ ‬القادة‭ ‬الأفارقة‭ ‬الثلاثة‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬العمق‭ ‬الإفريقي‭ ‬للديبلوماسية‭ ‬الملكية‭ ‬والارتباط‭ ‬القوي‭ ‬للأفارقة‭ ‬بالمغرب‭ ‬على‭ ‬وثيقة‭ ‬تضم‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬التدابير‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لحالة‭ ‬التوتر‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتحقيق‭ ‬المصالحة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬اتحاد‭ ‬حوض‭ ‬مانو‭ ‬والتعاون‭ ‬بينها‭ ‬في‭ ‬جو‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬والأمن‭ ‬والسلام‭. ‬
 
وقد‭ ‬اعتبرت‭ ‬القمة،‭ ‬برأي‭ ‬المراقبين،‭ ‬إنجازا‭ ‬ديبلوماسيا‭ ‬تاريخيا‭ ‬للمغرب‭ ‬بقيادة‭ ‬ملكه‭ ‬حيث‭ ‬حظيت‭ ‬المبادرة‭ ‬الملكية‭ ‬باحترام‭ ‬وتقدير‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬السيد‭ ‬كوفي‭ ‬عنان‭ ‬وكذا‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭.‬
 
لقد‭ ‬عمل‭ ‬الملك،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جولاته‭ ‬الإفريقية،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تسخير‭ ‬المجموعات‭ ‬الاستثمارية‭ ‬المغربية،‭ ‬على‭ ‬تقوية‭ ‬النفوذ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تبني‭ ‬مشاريع‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والبشرية‭. ‬وبالفعل‭ ‬لعب‭ ‬القطاعان‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬دورا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الخطوط‭ ‬العريضة‭ ‬لهذه‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬الملكية،‭ ‬وساهمت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬أبواب‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬السوق‭ ‬المغربية‭ ‬الواعدة‭ ‬وتنمية‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬كالقطاع‭ ‬البنكي‭ ‬المتواجد‭ ‬في‭ ‬السنغال،‭ ‬وقطاع‭ ‬الاتصالات،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬الدور‭ ‬الكبير‭ ‬للمكتب‭ ‬الشريف‭ ‬للفوسفات‭ ‬وصندوق‭ ‬الإيداع‭ ‬والتدبير‭ ‬ومجموعة‭ ‬الشعبي‭.‬
 
وفي‭ ‬مجال‭ ‬تقديم‭ ‬الخبرة،‭ ‬ساهم‭ ‬المكتب‭ ‬الشريف‭ ‬للفوسفاط‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التوظيف‭ ‬الجيد‭ ‬للأسمدة‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬نموذج‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬وخاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬شح‭ ‬المياه،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬اتضح‭ ‬جليا‭ ‬في‭ ‬الجولة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الملك‭ ‬نحو‭ ‬دول‭ ‬شرق‭ ‬القارة‭.‬
 

 
ويعمل‭ ‬الملك،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مؤسسة‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين،‭ ‬على‭ ‬تقوية‭ ‬"الأمن‭ ‬الروحي"‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ارتفاع‭ ‬مؤشرات‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬محضنة‭ ‬كبرى‭ ‬للحركات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬إطلاق‭ ‬"مؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للعلماء‭ ‬الأفارقة"،‭ ‬بغرض‭ ‬تأطير‭ ‬الأئمة‭ ‬الأفارقة‭ ‬وقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬ومنعها‭ ‬من‭ ‬الانتشار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬فضاء‭ ‬خصبا‭ ‬للتطرف‭. ‬كما‭ ‬اعتبرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬المغرب‭ ‬نموذجا‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬حفاظه‭ ‬على‭ ‬الاستقرار،‭ ‬ونجاح‭ ‬مقاربته‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬تسويق‭ ‬نموذج‭ ‬الإسلام‭ ‬المعتدل،‭ ‬وعدم‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬المقاربة‭ ‬الأمنية‭.‬
 
وقد‭ ‬عمل‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬تأكيد‭ ‬تواجده‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬الأمنية‭ ‬ومكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬أفريقيا،‭ ‬وتجلى‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬في‭ ‬الوساطة‭ ‬الناجحة‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬بدولة‭ ‬مالي‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬الاضطرابات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬2013‭ ‬و2014‭.‬
وقد‭ ‬استطاع‭ ‬الملك،‭ ‬بفضل‭ ‬سياسته‭ ‬الإفريقية‭ ‬(تعاون‭ ‬جنوب-‭ ‬جنوب)‭ ‬أن‭ ‬يحرز‭ ‬على‭ ‬الأفضلية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬الزعامة‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فتح‭ ‬له‭ ‬المجال‭ ‬لعقد‭ ‬صفقات‭ ‬جديدة‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬والتمهيد‭ ‬لقبوله‭ ‬كقوة‭ ‬تفاوضية‭ ‬واقتراحية‭ ‬تكللت‭ ‬بعودته‭ ‬من‭ ‬الباب‭ ‬الكبير‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي،‭ ‬رغم‭ ‬مناورات‭ ‬الخصوم‭.‬