منذ الإعلان عن تأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، وهي تخلق الحدث بقدرتها على التوسع في المجال الجغرافي الممتد من بلاد الرافدين إلى سوريا المشتعلة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وعلى خلق المفاجأة تنظيميا ومذهبيا. لأجل ذلك نفتح هذا الملف لمساءلة ظاهرة «داعش»، لا فقط كحالة سياسية تكتسح الشرق الأوسط، وتهدد اليوم باحتلال بغداد، مثلما صارت رقما أساسيا في معادلة الصراع في سوريا، ولكن أيضا كسؤال فكري يواجه كل المعنيين بالشأن العربي، وبتطورات الوضع الدولي بشكل عام. من هذه الوجهة نتساءل: ما الذي يمنح هذا التنظيم المغرق في الظلامية كل هذا الانتشار؟ هل هي حالة ارتداد يعيشها العرب والمسلمون بعد فشل المشاريع القومية وعودة الإسلام السياسي؟ هل هي التعبير الجديد عن تصدع المشروع الديمقراطي في الوقت الذي كانت رياح ما يعرف بـ «الربيع العربي» تعد بعمق التحول في الفكر والسياسة؟ ولماذا العودة لإحياء لغة العنف والدم محل الحوار والصراع الديمقراطي؟ المؤكد أن «داعش» تخلق اليوم وضعا جديدا لا يربك فقط مخططي السياسة الدولية، ولكنه يخلخل العقل الإنساني. هذا الملف محاولة منا لفهم ما يجري.
محمد المغراوي، أستاذ التاريخ بجامعة محمد الخامس
محمد المغراوي، أستاذ التاريخ بجامعة محمد الخامس
«داعش» تجر الشرق الأوسط إلى حرب طائفية ستدمر كل شيء
* تتجه الأحداث بالعراق حاليا نحو حرب طائفية بين السنة والشيعة. هل يمكن القول إن حركة «داعش» نجحت في تعبئة جزء مهم من العراقيين وجعل قضيتها قضية عادلة؟
** عند التأمل في سلوك حركة «داعش» والحركات المتناسلة من القاعدة عموما نلاحظ أنها تملك قدرة هائلة على التعبئة وخلق الأحداث المفاجئة، بل إنها تجاوزت الآن صورة التنظيم لتصبح ظاهرة، ومع ذلك فهي تفتقر إلى الرؤية السياسية وبعد النظر، وذلك راجع إلى طبيعة تكوينها من جهة، وإلى رهانات الجهات التي توظفها من جهة ثانية. وأعتقد أنه بعد الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها تنظيم «دولة العراق الإسلامية» السابق في العراق، والتي امتد فيها رصاص التنظيم إلى المقاومة العراقية حتى دفع جزءا كبيرا منها إلى التحول إلى صحوات، مما نتج عنه إعاقة المقاومة العراقية ضد الأمريكيين وتحويل مسارها، ربما تحاول «داعش» الآن الاستفادة من أخطاء الماضي، وذلك بالتعاون مع تشكيلة من الحركات السنية التي تعبر عن استياء سنة العراق من نظام المالكي الذي أبان عن وجه طائفي شرس. غير أن استراتيجية القوى الشيعية البارزة في العراق تحاول أن تلتف عن الفشل السياسي لحكومة المالكي لتظهر أن الحرب هي حرب السنة ضد الشيعة حسب البعض، أو هي حرب الحكومة المنتخبة ضد الإرهاب عند البعض الآخر. لكن الوجه الطائفي للصراع هو الأكثر وضوحا، لذلك يحتل شعار الدعوة إلى حماية المراقد الشيعية المرتبة الأولى في الخطاب التعبوي الشيعي. وفي المقابل فإن داعش لا تخفي وجهها وسلوكها الطائفي الوهابي المتطرف، مما يجعل المواجهة القادمة حربا طائفية بامتياز قد تختفي فيها المطالب المشروعة للشعب العراقي، وينطلق التطاحن المذهبي الأعمى الذي يدمر كل شيء، وقد تكون هناك صدامات طائفية حتى داخل الصف السني، حيث دارت قبل أيام مواجهات بين داعش وبين جيش الطريقة النقشبندية في شمال الموصل، وهذان التنظيمان بالذات يقفان على طرفي نقيض، فتنظيم «داعش» الوهابي المتطرف لا يمكن أن يقبل بحال الذهاب بعيدا في أي تنسيق ميداني مع جماعة ذات توجه صوفي، مما ينذر بانفراط عقد العلاقة في أي لحظة. هذه الملابسات تجعل من الصعب الاطمئنان إلى أن تنظيم «داعش» قد ينجح فيخوض حرب ضد الحكومة الطائفية في العراق بدون تكرار أخطائه القاتلة، خاصة وأن في الجبهة المعادية قوة إيرانية مخابراتية وعسكرية خبيرة بالمناورات الدقيقة، وذات قدرة كبيرة على استغلال التناقضات إن لم يكن خلقها.
*البعض يقول إن المنطقة تميزت دوما بتعايش الطوائف والمذاهب على مر العصور، ولم يتم إحياء النعرة الطائفية إلا بعد حرب الخليج الأولى بإذكاء الخلاف الشيعي السني، خاصة وأن تلك الحرب تزامنت مع صعود الثورة الخمينية. ما رأيك؟
**التنوع المذهبي في المشرق العربي قديم يعود إلى أواسط القرن الهجري الأول، وكانت منطلقات هذا الانقسام سياسية ثم ألبست لبوسا دينيا. وباستثناء الصراع المسلح والسياسي بين الخوارج والشيعة وبين الدولتين الأموية والعباسية فقد أصبح لهذه الفرق ولغيرها وجود اجتماعي وثقافي في المجتمع الإسلامي، ولم تفرض عليها الأغلبية السنية أي حرب طائفية، في نفس الوقت الذي استفاد أتباع الديانات الأخرى من أجواء تعايش سليمة شملت حتى أتباع الديانات القديمة مثل المجوس والزرادشت والصابئة المندائيين، أو بعض المذاهب الطارئة مثل اليزيدية والنصيرية والدروز والإسماعيلية. فأتيح لهذا المزيج أن ينتج أفكاره ويطورها، واستطاعت بعض الفرق أن تؤسس دولا في بقاع مختلفة، مثل دول الخوارج بالمغرب الإسلامي، والدولة الفاطمية بإفريقية ومصر. وتناسلت من هذه الفرق فروع كثيرة اعتمدت على مصادر فكرية مختلفة، وبعضها تهاوى من تلقاء نفسه واندثر أثره مع مرور الوقت. غير أن هذا التعايش لم يكن يمنع من حصول بعض التوترات الظرفية مثل التحريض الذي تبناه المعتزلة ضد أهل السنة مستغلين قربهم من بعض الخلفاء العباسيين منذ عصر المأمون والمعتصم والواثق، ولم ينفرج الوضع إلا في خلافة المتوكل ابتداء من عام 232هـ. أما في المرحلة المعاصرة فقد بدأ صوت الخطاب الطائفي يرتفع منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، حيث رأينا اصطفاف دول اليمين العربي ضد إيران، في إطار استراتيجية أمريكية لمقاومة إيران حينها، مستغلة شعار تصدير الثورة الذي كانت بعض القوى الإيرانية المحافظة تروج له. وقد تغذت هذه النعرة الطائفية بفعل حرب العراق ضد إيران، والتي رفع فيها نظام صدام شعارا قوميا طائفيا في نفس الوقت هو شعار «الفرس المجوس». وقد أدى هذا الموقف غير العقلاني لأغلب الدول العربية من الثورة الإيرانية إلى احتماء الإيرانيين وتمترسهم خلف الجدار المذهبي، فبدأ منذ ذلك الحين اصطفاف مذهبي واضح تولت تأجيجه المؤسسة الرسمية الوهابية في السعودية من جهة والطائفة الحجتية في إيران من جهة أخرى، والتي تمثل التيار الأصولي المغرق في الغيبوبة العقائدية المحافظة، وسرعان ما انتشر لدى وهابية العالم بكل فصائلهم دون أي استثناء، فصدرت فتاوى من كل حدب وصوب تكفر الشيعة وتعتبرهم أكفر من اليهود والنصارى متجاهلة التراث الفقهي الإسلامي الذي لم يصل إلى هذا المستوى من العداء للتشيع، وإنما كان فقهاء أهل السنة يعتبرون الشيعة الجعفرية بالخصوص مسلمين، لكنهم يتحفظون مما يعتري عقائدهم مما يسمونه «ضلالات عقدية». ولعبت القنوات الفضائية من جهتها دورا خطيرا في تسريع وتيرة التناقض الطائفي، ووسعت هي ومواقع التواصل الاجتماعي في الأنترنت من شريحة المنخرطين في الاصطفاف الطائفي، خاصة مع انتشار التشيع في بعض البلاد السنية. ثم جاءت الثورة السورية لتخلط الأوراق في المعسكرات المختلفة وتدفع بالقوى الشيعية المتضامنة مع النظام السوري، خاصة إيران وحزب الله، إلى ارتكاب أخطاء فادحة في التركيز على الحسم الطائفي، مما زاد في تأجيج الفوران الطائفي إلى درجة تجعل الحرب الطائفية الواسعة مقبولة إلى حد كبير من أطراف الصراع جميعا، بل إنها أصبحت مصدر استقطاب واسع للمحاربين والمتفاعلين، وهنا تكمن الخطورة ويصبح مستقبل المنطقة رهينة عواطف طائفية هوجاء لا تخدم في نهاية المطاف إلا العدو الصهيوني بتخريبها للمنطقة وردها قرونا إلى الخلف من جهة، والمشروع الاستبدادي العربي المراهن على الحلول الأمنية، وإبقاء البلاد العربية في دائرة التخلف والتبعية بعيدا عن أي تطلع إلى المستقبل أو رهان على التقدم. ومن هنا فالجهات المستفيدة من الانفجار الطائفي سيكون من مصلحتها إطالة أمد الصراع لإعادة ترتيب أوراق المنطقة، وتذهب كثير من التحليلات إلى أن هذه الأحداث مقدمة لتمزيق كل من العراق وسوريا إلى أربع دويلات: كردية في شمال العراق، وشيعية في جنوبه، وسنية في وسط العراق والقسم الأكبر من سوريا، وعلوية في جبال العلوييين والساحل السوري. ومما سيشكل صدمة هو أن هذا التقسيم قد يكون مرحبا به من جميع الأطراف المتنازعة للأسف.
* العراق - في رأي آخرين - لم يحكم إلا بالحديد والنار ولم يفلح سوى قائدين في السيطرة عليه بالدم وهما: الحجاج بن يوسف الثقفي وصدام حسين. ألهذه الدرجة كتب على العراق الاقتتال الدائم بين أعراقه وطوائفه؟
** وضعية العراق هي وضعية خاصة تاريخيا ودقيقة استراتيجيا. فهذا البلد يتوسط تيارات ثقافية مختلفة فهو ملتقى الطوائف الدينية المسلمة وغيرها، كما أنه البؤرة التي تتجاور فيها وحولها الأعراق المتعددة (العرب - الأكراد - التركمان - الفرس)، وهذه الوضعية جعلت البلد شديد الحركية، كما أن الطبيعة المحاربة للكثير من العشائر وانتشار السلاح على نطاق واسع (السلاح زينة الرجال) يجعلان الميل إلى حسم الصراعات باستعمال العنف أمرا لا مفر منه. ومن سوء حظ هذا البلد أن حزب البعث الذي حكمه طويلا أغرقه في عنف مجاني لم يكن في كثير من الأحيان سوى تغذية لنفسية زعامات سيكوباتية تتلذذ بالانتقام والعدوان، وتعمل على إشاعة الخوف في المجتمع لضمان قدر من الاستقرار الموهوم. ومن هنا نفهم لماذا خفت صوت الطائفية أيام حكم البعث، ليس لأن النظام امتص الطائفية عبر البرامج التربوية والتوعوية وضمان الحقوق المتكافئة لكل الطوائف، ولكن فقط لأنه أشاع جوا من الخوف العام جعلت العواطف الطائفية تكمن في انتظار أوان انطلاقها. ولم يكن العراق وحده الذي تبنى هذا المسار، بل يشبهه في ذلك ما حصل في أغلب الأنظمة الدكتاتورية القمعية العربية (مصر - ليبيا - اليمن - سوريا). وعلى هذا الأساس أعتقد أنه من المجانبة للصواب الاعتقاد بأن العراق أو غيره من البلدان لا يمكن أن تساق إلا بالعنف، إذ أنه من الناحية التاريخية يستحيل الانتقال من وضع استبدادي إلى وضع ديمقراطي دون المرور بمرحلة انتقالية يحصد فيها المجتمع سلبيات الاستبداد المختلفة التي استطاعت أن تكسب فئة واسعة من الشعب، وهؤلاء يرون أن مصيرهم مرتبط ببقاء الاستبداد. وهم عادة الذين يعيقون أي تحول ديمقراطي ويحولن دون نجاح أي ثورة شعبية، ويدفعون غالبا في اتجاه الثورة المضادة كما حصل في مصر. وغالبا ما يراهن هؤلاء على إشاعة الفوضى في المجتمع حتى يعتقد المواطن أن النظام السابق على الأقل كان يضمن قدرا من الأمن. أما مشكل العراق الأساسي فيتمثل في عسر انتقاله إلى الممارسة الديمقراطية رغم شكلياتها الانتخابية. فالقوى الشيعية تعمل منذ المنطلق بأجندة طائفية تستند إلى تهميش أهل السنة، بل وممارسة التطهير الطائفي في كثير من المناطق، وتجييش فيالق مسلحة من «فيلق بدر» سيئ الذكر لهذه المهام القذرة. وطبيعي أن يصل الاحتقان مداه، وأن ينتفض أهل السنة، وربما التقت مصالح جماعات سنية مختلفة مثل جيش الطريقة النقشبندية والبعثيين مع داعش فأفرزت هذا التحرك الأخير الذي وإن كان منطلقه هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب العراقي بمختلف طوائفه، وبالأساس الدفاع عن وضع أهل السنة، إلا أن هناك من التناقضات الداخلية في هذا الصف ما يدفع إلى شيء من التخوف من وقع العراق في حرب طائفية مفتوحة قد تكون أشرس مما حصل في سوريا.
* إذا استثنينا الوحي الإلهي نجد أن المغرب لم تأته سوى السموم من الشرق بدليل أن الصراعات المذهبية أغرت الآلاف من المغاربة بالتوجه إلى مناطق الصراع بسوريا والعراق للقتال بمبرر «نصرة الإخوة في الدين» لدرجة أن المغرب تحول الى مصنع للجهاديين والانتحاريين. هل يمثل ذلك تهديدا للتدين المغربي؟
** لا يمكن اختزال العلاقة بين المشرق والمغرب في هذا المنظور الضيق وغير التاريخي. فالعلاقة بين المشرق والمغرب كانت علاقة تفاعل ثقافي واجتماعي غني منذ القدم. إضافة إلى أنه ينبغي التنبيه إلى أن الشباب المغاربة ليسوا وحدهم المستهدفين بالتجنيد من طرف الجماعات المقاتلة، فشباب باقي الدول المغاربية يقعون تحت نفس التأثير، وأيضا شباب من عدد من الدول العربية والإسلامية. ثم إن هناك عوامل متعددة، بعضها موضوعي، وراء تجنيد الشباب المغاربيين في هذه الحروب، فلا ننسى أن البنية الديمغرافية للشعوب المغاربية بنية شابة، فمن الطبيعي أن تقع نسبة لا بأس بها من الشباب المغاربيين ضحية النشاط الدعوي للحركات المتطرفة، إضافة إلى الأزمة النفسية والاقتصادية التي يعاني منها الشباب المستهدفون، والتي تدفع بالعديد منهم إلى ركوب قوارب الموت، فكيف لا يلتحقون بهذه التتنظيمات المقاتلة. فضلا عن هذا لا بد من الإشارة إلى فطرية التدين لدى هؤلاء الشباب، وسطحية فهمهم للدين، وهو الشيء الذي راهنت عليه الدعوة السلفية الوهابية، فهي تشتغل على أساس اختزال الدين في صور نمطية سطحية تقود معتنقها إلى الحسم في مواقفه من كل شيء بسرعة وبطريقة نهائية، وهذه النفسية تجعل المنتمي سريع التفاعل وسهل التوجيه، لأنه أصلا غير قادر على التمييز بين مستويات الخطاب الديني. خاصة وأن الشحن الديني العاطفي يصل مداه حينما تصور أي معركة على أنها معركة ضد الكفار. ذلك أن الوهابية تبنت في هذه النقطة بالذات مبدأ من مبادئ الخوارج، وهو اعتبار كل من ارتكب كبيرة كافرا، لذلك نرى مثلا «داعش» أو «جيش النصرة» لا يترددان في قتل أسراهما من الطرفين بدعوى أنهم كفار، وهؤلاء الأسرى جميعا هم من الشباب الوهابيين المتحمسين. ورغم الأعداد المتزايدة من الشباب المقبلين لاحظنا أخيرا عودة بعض الشباب المحبطين من جبهات القتال مما رأوه هناك من اقتتال داخلي بين الفصائل، مما سيساعد على ثني غيرهم من الشباب الذين كانوا يعتزمون السفر إلى سوريا أو العراق. وبالفعل فإن الشباب العائد من أحضان الجماعات المتطرفة قد يشكل خطورة على المجتمع، لذلك لا ينبغي معالجة ملفاتهم معالجة أمنية صرفية، بل ينبغي أن تكون المعالجة اجتماعية وثقافية هدفها إعادة إدماجهم في المجتمع وعدم تعريضهم لما يحيي ذكريات الحرب في نفوسهم أو دفعهم للانتقام ضد أي سلوك غير محسوب.
عبد الصمد بلكبير، باحث في الفكر الديني
عبد الصمد بلكبير، باحث في الفكر الديني
حركة "داعش" مجرد واجهة للقوى الخفية
الحركات الإرهابية من طبيعتها أن تستغل واجهة للقوى الخلفية، ولذلك فإن المفاجأة في ما يتعلق باكتساحها للعراق هي فقط بالنسبة للرأي العام، أما بالنسبة للقوى المتصارعة في المنطقة فلا مفاجأة هناك، لأن ما صنعته الولايات المتحدة الأمريكية في العراق من جرائم من جملة عوائقبه وضع دستور مبني على المحاصصة الطائفية، وبالتالي وضع عملائها سابقا في بغداد، واضطرت إيران بالطبع لأن تبعدهم. كما أن الانتخابات الرئاسية في سوريا، والتي قادت بشار إلى تمديد فترته الرئاسية، ونفس الأمر بالنسبة للمالكي حليف طهران، شكلت مؤشرا لتسونامي في ميزان القوى السياسية، لأن الأهم في السياسة ليس هو قوة الجيش والأجهزة الأمنية، فالسياسة في آخر المطاف هي الحاسمة. وبالتالي فالحصاد كان لصالح التحالف القوي: إيران وسوريا وحزب الله وخلفهما بالطبع روسيا والصين وجنوب إفريقيا. وبالتالي فالعمليات العسكرية التي تقوم بها «حركة داعش» أتت للتشويش على الانتصار السياسي الذي تحقق في العراق وسوريا ولإيقاف عواقب ذلك الانتصار، ولذلك تم استدعاء السعودية وقطر وجمعية العلماء التي تتخذ من الأردن مقرا لها والطريقة النقشبندية وبقايا حزب البعث، ثم هؤلاء الداعشيون وأمثالهم كثير الذين هم من طبيعتهم لظروف اقتصادية واجتماعية يتشغلون بما يسمى في علم الإجتماع السياسي «الجماعات الوظيفية»، أي أنهم يؤدون وظائف لمن يدفع لهم. وبالطبع يبررون ذلك بمبررات لاحصر لها، فمرة تكون ضد إيران وضد إسرائيل، ومرة أخرى ضد حلفائها وأخرى ضد نفسها. هي حركات موضوعيا ذات طبيعة انتحارية، ولا مستقبل لها في الدورة الاقتصادية والدورة الإنتاجية. فالمجتمعات الطبقية دائما تنتج هوامش اجتماعية واقتصادية وتضاعف بؤسها ببؤس إيديولوجي وبؤس سياسي. فمثلا هناك 200 دوار حول مدينة مراكش، وهذه هي القاعدة الاجتماعية لكل الجرائم التي يمكن توقعها في ظل هذا النمط الاقتصادي ، من عهارة وسرقة وتهريب وبيع مخدرات.. ولكن هذه القاعدة الاجتماعية هي نفسها قابلة لأن تنتج التطرف والعنف السياسي ومن سيستحضر ذلك سيموله ويوجهه. فالسعودية لديها الملايير ويمكنها أن تستعمل هذه الجماعات بالنظر لما تعتبره من ما يتهددها من أخطار وتهديدات إرهابية. تركيا في علاقتها بالاتحاد الأوروبي اشترطوا عليها من أجل قبولها ضمن الاتحاد الأوروبي الانخراط في التخطيط لتقسيم سوريا وضم حلب التي تضم 4.6 مليون من السكان، وقطر معروف عنها أنها هي مخلب الجناح العسكري للولايات المتحدة الأمريكية وتحالفها مع إسرائيل في المنطقة، ولذلك لا يمكن أن نفسر الوقائع بظواهرها. «داعش» قناع يكمن خلف من يوظفهم وأظن أنها حركة عارضة، فميزان القوى محسوم ، فهذه معركة في حرب ولكن الحرب مقررة مسبقا، لأن النظام العالمي في أزمة وأزماته بنيوية وشاملة وذات ديمومة، ولذلك هو يحاول تصدير أزماته خارجه ولكنها سرعان ما تشتد عليه والقرينة بسيطة حينما تكون المواجهة بين معسكرين: من هو المعسكر المتماسك والذي يزداد تماسك ومن هو المعسكر الذي يتفكك من داخله بفعل تناقضاته.
فيصل جلول، باحث وكاتب وصحافي لبناني
فيصل جلول، باحث وكاتب وصحافي لبناني
5 أسباب جعلت «داعش» رقما صعبا في اللعبة الإقليمية
ما هي التحديات التي جعلت داعش رقما صعبا في المعادلة الاقليمية؟ أعيد طرح السؤال بصيغة أخرى: ما هي الأسباب التي جعلت داعش رقما صعبا في اللعبة الإقليمية في المشرق العربي؟ هناك عدة أسباب أولها وأهمها الاحتلال الأمريكي للعراق وتدمير بنيته التحته وأجهزته ودولته الامر الذي اعاد العراقيين الى انتماءاتهم الاولية ومن بينها العشيرة والطائفة والقرية والحي والحزب والميليشيا والجماعة التكفيرية، وبالتالي مقاومة عودة الدولة وأجهزتها بالانتماءات المذكورة. والسبب الثاني يتعلق بالضرر الذي أصاب قطاعا واسعا من العراقيين كان مستفيدا من النظام السابق، ومن حالة الغضب والضرر الطائفي نشأت داعش. والسبب الثالث يتعلق بطريقة الحكم التي فرضها المالكي، والتي تخاطب العراقيين بطوائفهم وفئاتهم وليس بوضفهم شعبا. السبب الثالث يتعلق بالسنة الذين شاركوا بالعملية السياسية، فهؤلاء أحبطوا رغم كونهم شركاء مع المالكي في الوصول إلى الحكم عبر القوات الأمريكية، وقد صب إحباط السنة الماء في طاحونة داعش. السبب الرابع متعلق بتركيا وقطر والأردن، وهذه الدول تعتبر الراعي الأول للحرب على ما تسميه زورا بالهلال الشيعي. السبب الخامس يتصل بالحرب السورية، فقد اشتركت داعش فيها واكتسب خبرات قتالية مهمة، وحقق إنجازات أيضا على الأرض، فهو يسيطر على مدينة الرقة ويطمح إلى وصل الرقة بالموصل وإنشاء دولة سنية بين سوريا ولبنان، وبالتالي حرمان الدول الأخرى من تنظيم فرصة السيطرة على النفط العراقي. لعبت كردستان عبر البرزاني دورا مهما في غض النظر عن تقدم «داعش» والراجح أنها تفكر بإنشاء كونفدرالية سنية كردية في بلاد الرافدين مقابل كونفدرالية شيعية، ومن غير المستبعد أن يكون جزءا من الصراع الذي تخوضه «داعش» يتمحور حول السيطرة الكردية السنية على الجزء الأهم من الثروة النفطية العراقية ما من شك في أن إيران هي المتضرر الأكبر من هذه الحركة التي ينتمي قسم من مليشياتها على الأقل إلى النخبة العسكرية التي شاركت في الحرب الإيرانية العراقية التي تتطلع من خلال داعش إلى مقاومة النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين. من جهة أخرى يمكن اعتبار الولايات المتحدة متضررا آخر أيضا باعتبار أن «داعش» تستهدف النظام الذي أقامته واشنطن في العراق، وإذا انهار هذا النظام فمعنى ذلك أن واشنطن قد خسرت كل ما بنته في العراق بعد انهيار نظام صدام حسين. كيف يواجه هذا التحدي؟ بواسطة القوى والأطراف المتضررة من «داعش» وفي طليعتها مئات الآلاف من السنة أهل الموصل الذين يخافون «داعش» ولا يريدون مشروعها، فضلا عن الشيعة الذين تهددهم «داعش» بالذبح، والولايات المتحدة وإيران التي لا يمكنها أن تتخيل «داعش» في حكم العراق وبطريقة يبدو معها نظام صدام حسين وكأنه آية في الديموقرطية. فضلا عن سوريا التي تحتفظ بدوافع قوية لجلب الهزيمة لطرف ألحق أذى شنيعا حيثما حل في سوريا. ماذا لو وصلت «داعش» إلى بغداد؟ لا أعتقد أن «داعش» يمكن أن تصل إلى بغداد، لأن الكتلة التي تدافع عن المدينة باتت أمام خيارين: إما الدفاع عنها وبالتالي عدم السماح لداعش احتلالها أو الموت ذبحا إذا ما احتلت، ذلك أن «داعش» لا تترك خيارا للمهزومين غير الذبح كما رأينا في الموصل، لذا يبادر الناس إلى تنظيم انفسهم والقتال دفاعا عن مدينتهم. وهنا لا بد من الإشارة إلى الميلشيات الشيعية التقليدية المجربة التي تملك خبرات قتالية مهمة. هذه الميليشيات انخرطت في القتال مؤخرا ويبدو أنها حققت بعض النجاحات الجزئية. هل ما يجري في العراق حرب طائفية؟ هي طائفية جزئيا على الأقل، فداعش تنظيم سني ويستهدف من يسميهم بالروافض وكل من لا ينتمي إلى تفكيره الضيق، لكن في الآن معا نجد القاعدة الشعبية السنية خائفة من هذا التنظيم وتترف إزاءه بوصفه عدوا، ما يعني أن الحرب في جزء مهم منها طائفية وفي جزء آخر أقل طائفية. هل يقاتل داعش الحكومة العراقية لأنها تابعة لإيران؟ «داعش» يقاتل الحكومة العراقية لأنها شيعية أولا وأخيرا ومن بعد لأنها تتمتع بتأييد إيراني. وإذا كان «داعش» يحمل على الإيرانيين لأسباب ذكرت أنها متصلة بالحرب العراقية الإيرانية، وبما يحكى عن وجود قدامى ضباط بعثيين في هذه الجماعة، فإن عداء التنظيم لواشنطن لا يقل أهمية. ولأن داعش يريدها حربا طائفية في العراق، نلاحظ الولايات المتحدة تريد حماية بغداد بالوسائل القتالية الحديثة لردعه عن التقدم. من جهة ثانية أرى أن الدول المجارة للعراق ما خلا تركيا، ربما لا ترغب هي الأخرى في سيطرة «داعش» خوفا من تفكك نسيجها الاجتماعي وتشتيتها.
منعم وحتي، عضو الكتابة الوطنية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي
منعم وحتي، عضو الكتابة الوطنية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي
بين لَوْثَة «داعش» والهلال الخصيب
إن جدلية التاريخ مُحَدِّدَة في استيعاب التطورات المتسارعة في منطقة الهلال الخصيب، وهي تسمية قديمة تضم حوض نهري دجلة والفرات وبلاد الشام، نظرا لِغِناها، وَأُورِدُ هذه التسمية لضرورة استحضار الخَيط الناظم للوقائع السابقة في تفسير الجيوستراتيجة الآنية. لهذا لابد من التركيز على إشارتين أساسيتين: الأولى تتعلق بالرجوع إلى أُصول معاهدة سايكس- بيكو 1916 التي قسمت المنطقة وأبقت على امتدادات التدخل الخارجي الاستعماري. الثانية مرتبطة بدراسة النموذج اللبناني في فهم دواليب الطائفية التي تؤطر الاصطفافات والعصبيات المتحكمة في الوضع الإقليمي. هذه المعادلة تُفضي إلى سِتَّ خلاصات تحليلية للوضع:
1- كل المُعطيات و الدلائل، حتى من داخل المطبخ الاستخباراتي الأمريكي، تؤشر على أن شبكة الإرهاب العالمي للقاعدة، ومنذ نشأته، تنتهي خيوطها عند اللوبي العالمي للتصنيع التسليحي والنفطي، وهي مقولة تجد سندها عبر التسريبات الأولى لاحتضان الاستخبارات الباكستانية (الأمريكية) لخلاياها الأولى، التمويل السعودي لمدارسها الخيرية وتأطير أيديولوجيتها الدينية، وكذا وضع خط أحمر كشرط للموساد لتغطيتها بالامتناع عن تنفيذ أي عملية إرهابية داخل الكيان الصهيوني، وهو ما يتأكد للحظة، ولابد من وضع الأصبُع حول هذا الاتفاق الأساسي الذي وفر البيئة الحاضنة لـ«داعش» وأخواتها الآن.
2 - إن تَنَبُّه تحالف الناتو إلى خطورة تراكم قوة جبهة الحِلف الإيراني والهلال الخصيب (العراق، سوريا، 8 آذار لبنان، الفصائل الفلسطينية)، وبمظلة روسية، فرض على الحلف الأمريكي تغيير أولوياته خصوصا مع إنهاك الجبهة السورية، بإعادة خلق بؤرة جديدة بالعراق تحت تسمية داعش، والتسميات لا يُصبح لها معنا إذا حُسِمت الخيارات الاستراتيجية الكُبرى، والمَطلوب تجييش كل الغاضبين على أخطاء التسوية السياسية (المالكي) تحت الاحتلال، والهجوم السريع لخلق كيان سُني في وسط العراق مع الاحتفاظ بخطوط الربط الشمالية لحماية قواعدها بسوريا، وهو ما يُحيل على مؤامرة سايكس-بيكو ثانية لمحاولة تقسيم العراق لشمال كردي، وسط سني وجنوب شيعي، ومخطط البقية يُحاكُ في الخفاء، آخرها الانسداد الطائفي في لبنان، والذي عطل لحدود اللحظة الفرز الرئاسي بين 8 و14 آذار.
3 - إن خلاصات الدرس السوري تؤشر على نجاح النظام في استمالة كل الطوائف إلى صفه في مُقابل نُفورِ هذه الأخيرة من همجية المُقاتلين الأجانب لـ «داعش» وأخواتها، فقَدَّم البَعث نفسه كضامن و حام للتنوُّع الطائفي والديني في مقابل العصبية «السنية» الإرهابية، إلى درجة نجاح النظام في جلب أصوات السنة المعتدلة ورموزها في الانتخابات الأخيرة، بغض النظر عن سياقها، كما أن العداء كان متأصلا بين الأكراد والتيارات «الجهادية» التي أبادت أُسرا كردية بكاملها وقصفت كنائس تاريخية لمسيحيي الشرق. معطيات فرضت على حلف الناتو استجداء التعاون الأمني للنظام السوري، والبحث عن جسور مشرفة لقادة الجيش «الحر»، المُندحر، لإيجاد مخرج للتحكم في تهديدات مقاتلي التيارات «الجهادية» بعد العودة لأوربا، تخوفا من أي ضربات ارتدادية تعيد للأذهان «غزوة» البُرجين وتفجيرات لندن ومدريد وما أحاط بها من تكتم، ومحاولة فرض تسوية بعيدة المنال مع تغير معطيات الأرض.
4 - أكيد أن الوجه الجديد لـ «داعش» بنسختها العراقية، سيبحث على التأصل القبلي لضمان أريحية أفضل للانسياب في النسيج العراقي، وهو ما حدا بها لفتح الجسور مع العشائر السنية الغاضبة، الطوائف الطُرُقية (النقشبندية،...) المُهمشة من الغالبية الشيعية المستأثرة بالسلطة، وحتى بقايا القوة المٌنَظمة من البعثيين، إلا أن هذا المشهد اللحظي غير ثابت بل سيكون مُتغيرا وفق تقدم العمليات اتجاه بغداد، خصوصا وأن التعاقد مع تنظيمات دولية إرهابية، تتعدد رؤوس إمارتها، ضرب من العبث، ولا يدخل إلا في باب البراكماتية الآنية. ولا بد من تسجيل الحياد السلبي وتَذبْذبِ جيش البشمركة الكُردي أثناء مرور فيالق «داعش» شمالا، مما يزكي التحليل بوجود توافقات كبرى، بتغطية من الناتو واللوبي الامريكي لتحييد آبار نفط الشمال من الصراع.
5 - إن حجم هذا الارتباط التواطُئي الدولي تمويلا وتسليحا، بنسق مؤسس على قاعدة المصالح الجيوستراتيجية للكولونيالية الجديدة، يفرض طرح قراءة مضادة لهذا المخطط التقسيمي للمنطقة، إن المقاومة المبدئية تقتضي أولا: الدفاع عن الدولة الوطنية الديمقراطية الضامنة لحقوق كل الطوائف، بما يضمن انخراطها كأفراد وليس تكتلات في بناء مشروع الدولة / المؤسسة القوية والعادلة، ثانيا: ضرورة التسريع بالتقارب السوري - العراقي وما يمكن حشده إقليميا لمواجهة خيارات التجزيء الذي طُبِلَ له كثيرا تحت يافطة «الشرق الأوسط الجديد»، وتقليعة «داعش» أحد تمظهراتها.
6 - إن الفوضى المُنَظَّمَةَ لمتغيرات الشرق الأوسط لا بد أن ترخي بظلالها على المنطقة المغاربية، التي يطبعها الاستبداد والفساد، باعتبار فوضى السلاح بليبيا وقوة امتدادات القاعدة بهذا البلد في غياب للدولة، كذلك قوة فعل الخلايا «الجهادية» بتونس، دون إغفال هيكلة خلايا تنظيم القاعدة بالساحل والصحراء، وما تشكله من تهديد للمنطقة، مخاطر تفرض نفس خيارات التكتل، ببناء وحدة مغاربية قوية، على أساس سيادة الشعوب، الديمقراطية الشاملة والعدالة في توزيع مقدرات الثروة، ما سيؤدي بالضرورة إلى مواجهة شعبية لبؤر الإرهاب وتجفيف منابع توظيف القاعدة وروافدها لشبابنا المُحْبَطِ. فكما ينتعش الإرهاب في تربة التهريب والانغلاق المَرَضِي، فلنفتح حدودنا على مواطنة مغاربية مؤسسة على الديمقراطية الحقيقية.
سمير المحمود، مفكر سوري
المفكر السوري سمير المحمود
إذا نجح «داعش» في اقتحام بغداد فإن مصير العراق هو التفتت والانقسام
الذي قام بتصميم «داعش» هو ذاته الذي قام بتصميم «القاعدة»، وهو ذاته وراء كل التنظيمات الإرهابية في العالم مهما تنوعت التسميات، كي يستطيع من خلال هذه التنظيمات التدخل بشؤون الدول تحت عنوان محاربة الإرهاب. وبالتالي فقد كان من الواضح أنه منذ أن تقدمت تلك التنظيمات باتجاه الموصل أن ما يحصل هو مقدمة لحرب واسعة على الإرهاب، لكن الذي سيحصل هو أن نوايا من سيقوم بالتدخل ليست نظيفة؛ فالذي أمر تلك التنظيمات بأن تزحف باتجاه السيطرة على العراق لم يفعل ذلك إلا ليعوض فشله في حربه على سورية، وكل المؤشرات تدل على أن من يقوم بهذا الفعل الإجرامي المنظم هو أميركا، وهي ذاتها من يخطط للتدخل. فالخطة التي تم اتباعها في السيطرة على الموصل مشابهة تماماً لتلك التي تم تنفيذها أثناء احتلالها للعراق سابقاً، وذلك لتبرر تدخلها الذي سيأتي لاحقاً تحت مسمى محاربة الإرهاب، وكل ذلك هو مقدمات لعملية التقسيم والتفتيت التي تمت تهيئتها للعراق الشقيق منذ احتلالها له في عهد صدام حسين بحجة النووي وتحقيق الديمقراطية، لماذا أميركا تفعل ذلك؟ الغاية هي تشتيت وحدة العراق الوطنية وزعزعة جيشه، وبالتالي القضاء على انتمائه القومي العروبي، وإنهاء قوته، وبهذا الفعل تضمن تبعيته وتسهل عملية السيطرة على مقدراته... وأكبر دليل على أن تلك التنظيمات تأخذ أوامرها من الاستخبارات الأميركية هو التغطية السياسية التي قامت بها أميركا وأعوانها من بعض الدول الأوروبية وبعض دول الخليج من غض نظر عن تلك التنظيمات مدة تزيد عن ثلاث سنوات في سورية تحت مسمى ثورة، وفتوى القرضاوي مؤخراً بأن ما تفعله هذه التنظيمات هو ثورة... يعني أميركا تعمل حالياً على تحقيق ما لم تستطع تحقيقه أثناء احلالها له سابقاً، لكن وفق اتباع أسلوب جديد وخطة مختلفة. ومما لا شك فيه إذا نجح هذا التنظيم في اقتحام بغداد فهذا يعني أن العراق في طريقه إلى فوضى كبيرة وسيول من الدماء على الصعيد البشري. ومن جهة أخرى مصير هذا البلد الشقيق سيكون هو التجزئة لا محالة والشرذمة والتفتت والانقسام على أساس طائفي وعرقي وقومي ومذهبي، وسوف تكون تداعيات هذا الفعل سلبية بالمطلق على منطقة الشرق والعالم ككل، حيث ستتحرك قوافل الهاربين من ذلك الجحيم المحيق بالعراقيين إلى الدول المجاورة ودول العالم بمئات الآلاف، وهذا يعني أن هناك كوارث إنسانية لا نظير لها ستحدث إن لم يتم الإسراع بتحرك إقليمي ودولي مناسب، وبنوايا حسنة.