إدريس الأندلسي: الشفافية المالية..ما بعد الخروج من المنطقة الرمادية

إدريس الأندلسي: الشفافية المالية..ما بعد الخروج من المنطقة الرمادية إدريس الأندلسي
الأمر سياسي وليس قضية انضباط لقواعد مالية

اشتغلت الحكومات المغربية منذ ما يزيد على عشر سنوات على إخراج بلدنا من مرحلة الضبابية أو الرمادية في مجال تدبير سياساتنا المالية إلى مرحلة الضوء أو البيضاء التي تؤشر على بلوغ باب الدخول إلى الشفافية. مجموعة العمل المالية أو ما يشار إليه بالحروف اللاتينية" بالكافي " أنشأت سنة 1989 وزاد دورها بعد أحداث 2001. الأمر مرتبط مع ماحدث في نيويورك من هجمات جوية زلزلت أكبر قوة في العالم وخلقت كثيرا من ردود الأفعال التي بدأت بتدمير مؤقت لنظام طالبان في أفغانستان واستمرت آثارها من خلال مواصلة الهجوم على العراق وصولا إلى ما سمي بالربيع العربي.
هذا الخريف لا زال حاضرا من خلال تراجع مؤسساتي وحقوقي وسياسي في المنطقة العربية وفي أفريقيا وآسيا. الأموال التي توجد خارج الأنظمة المالية الدامجة كثيرة ويعرفها النظام المالي العالمي ومؤسساته. وأصبح موضوع تضييق الخناق على المعاملات خارج المؤسسات مقياسا لنظام ترتيب الدول، وليس كل الدول، حسب معايير تستجيب لإملاءات من وضع القواعد وحدد طبيعة المرور من مناطق غياب الشفافية إلى ظهورها. التوصيات أو بالأحرى الأوامر التي تطبق على جزء من أعضاء المجموعة المالية تصل إلى  40 توصية. قرارات هذه المجموعة تعكس الخريطة السياسة العالمية.  إيران وكوريا الشمالية توجدان على رأس لائحة الدول التي تعتبر خارجة عن نظام الشفافية. 
الشفافية المالية شعار صنعه ضباط السلطة المالية العالمية بعد أن صنعوا كل الشروط لغياب هذه الشفافية منذ آخر طلقة نارية في الحرب العالمية الثانية. وضع نظام "برايتون وودز" و أسس لسيطرة الدولار على نظام المبادلات العالمية. وتم الانقلاب على ربط العملات بالذهب  بقرار أمريكي سنة 1971. بعدها تم إقرار نظام تعويم قيمة العملات وتطورت معها الملاذات الآمنة من أداء الضريبة و إخفاء عمولات سوق الأسلحة وعوائد تجارة المخدرات. كل هذه التطورات حصلت تحت أنظار مؤسسات الغرب الناطقة بإسم الشفافية والديمقراطية  والأخلاق وحقوق الإنسان. وظلت طموحات بعض الحالمين بحقوق الأفارقة والآسيويين في غد أفضل  تتحطم على صخور القوى العظمى الحاملة لشعار الحرية. انقلابات واغتيالات ضد كل من صدق أن الغرب صديق لمن يثق في قيم العدالة والحرية والديمقراطية. رصاصات غادرة أطلقت على زعيم منتخب في الشيلي و آخر في الكونغو  وآخر في الباكستان وآخر في الفيتنام وكثير من الدول. 

ولن ترضى عنك المؤسسات المالية التي يسيطر عليها أعضاء منظمة التعاون  والتنمية الإقتصادية حتى تكون اختياراتك السياسية والاقتصادية لا تتعارض مع توجهاتهم.  وكل مخالف تسد في وجهه كثير من البوابات المؤدية إلى الحصول على التمويل المتاح في الأسواق المالية. الكل، وخصوصا السلطات النقدية والمالية الوطنية،  يعرف أن المتحكمين في مجموعة العمل المالية تهدف إلى الحصول على كل المعلومات المالية في الدول التي يعتبرونها  مجبرة على الخضوع لقواعد  و توصيات تخدم مصالحهم. لو تعاملت كل الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية بانفتاح كلي وشفاف جدا لكان مآل مصارفها تراجعا كبيرا.  المعلومة المالية تبدأ من معطيات عن حساب بنكي لشخص أو شركة لتصل إلى أرقام معاملات وأسماء وعناوين و "أمعاء  ومطابخ " كل فاعل اقتصادي. ماذا خسر المغرب خلال السنوات الأخيرة حين كان في المنطقة الرمادية. لم يمنع من دخول الأسواق المالية ولم يدفع غرامات واستفاد من أسعار الفائدة الموجودة في السوق.  

لكل ما سبق يمكن القول أن المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية لها تعريف خاص بالشفافية. أسواق المال والسلاح والغذاء والطاقة ستظل مستعصية على هذه الشفافية. الأمر سياسي بامتياز  وله علاقة كبيرة جدا بتضييق مجال التمويل على الدول التي لا تستجيب لإملاءات الدول الغربية. صحيح أن المغرب تعدى الكثير من العقبات لكي يظهر حسن نيته وإرادته  لتبني إصلاح مؤسساتي في المجال المالي ولا زال أمامه الكثير  للوصول إلى شفافية في مجالات تدبير الجبايات والصفقات العمومية وسياسة المنافسة. المهم في الأمر ليس تحسين تنقيط المغرب من طرف الوكالات الدولية ولكن الاستمرار في مأسسة التدبير الإقتصادي وتحقيق مستوى متقدم في مجال الشفافية. المواطن المغربي له انتظارات أكبر من توصيات مجموعة العمل المالية الدولية. الشفافية بالنسبة له تعني القضاء على اقتصاد الريع وإقرار عدالة في مجال توزيع الثروات وفي مجال الضريبة. تمويل الإرهاب يمكن ضبطه من طرف أجهزتها الأمنية ذات المستوى الذي يعتبره الجميع بالمهني والعالي. نريد مغادرة المنطقة في كل القطاعات وليس فقط في مجال الاستجابة لمقاييس دولية لا نختلف على أهميتها.