نعيم كمال: فرنسا منزعجة من أن يتحول المغرب إلى "تركيا شمال إفريقيا"

نعيم كمال: فرنسا منزعجة من أن يتحول المغرب إلى "تركيا شمال إفريقيا" نعيم كمال
يشرح‭ ‬نعيم‭ ‬كمال،‭ ‬مدير‭ ‬نشر‭ ‬موقع‭ ‬quid.ma،‭ ‬كيف‭ ‬انزعجت‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬تحرر‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬تبعيته‭ ‬لها‭. ‬كما‭ ‬أسهب‭ ‬كمال‭ ‬في‭ ‬توضيح‭ ‬الاشعاع‭ ‬المغربي‭ ‬قاريا‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بوصفه‭ ‬قائد‭ ‬الاستقلال‭ ‬الثاني‭ ‬لافريقيا‭ ‬عن‭ ‬فرنسا،‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬خطابي‭ ‬أبيدجان‭ ‬والرياض.
 
ما‭ ‬هو‭ ‬تعليقك‭ ‬الأولي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬بغطاء‭ ‬إعلامي‭ ‬وحقوقي‭ ‬ضد‭ ‬المغرب؟
الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬أصدقاء‭ ‬فرنسا‭ ‬اليوم،‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬من‭ ‬مستعمراتها‭ ‬السابقة،‭ ‬ضمن‭ ‬مايسمى‭ ‬فرنسا‭ ‬الافريقية،‭ ‬أو‭ ‬الحديقة‭ ‬المستعبدة‭.. ‬جل‭ ‬هؤلاء‭ ‬بدأوا‭ ‬يأخذون‭ ‬مسافة‭ ‬منها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أدركوا‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬تتخذهم‭ ‬لتحسين‭ ‬وضعها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وريادة‭ ‬عالمية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استغلال‭ ‬بشع‭ ‬لمقدرات‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الافريقية‭ ‬بل‭ ‬وترابها‭ ‬كذلك:‭ ‬مالي،‭ ‬بوركينافاسو،‭ ‬ساحل‭ ‬العاج،‭ ‬افريقيا‭ ‬الوسطى،‭ ‬الكاميرون‭ .. ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬كلها‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاستعمار‭ ‬الجديد‭ ‬لفرنسا،‭ ‬دول‭ ‬ظلت‭ ‬رغم‭ ‬الاستقلال‭ ‬الصوري‭ ‬متخلفة‭ ‬تنمويا‭ ‬ومتأخرة‭ ‬تعليميا،‭ ‬متقدمة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬البطالة‭. ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬من‭ ‬خروج‭ ‬المستعمر‭ ‬الفرنسي،‭ ‬دخلت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لمرحلة‭ ‬مراجعة‭ ‬علاقتها‭ ‬بفرنسا،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الصدفة‭ ‬أن‭ ‬تطرد‭ ‬مالي‭ ‬عناصر‭ ‬الجيش‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬أراضيها،‭ ‬مادام‭ ‬أن‭ ‬توسع‭ ‬رقعة‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬هذ‭ ‬البلد‭ ‬الافريقي‭ ‬تم‭ ‬مع‭ ‬دخول‭ ‬الجيش‭ ‬الفرنسي‭ ‬لمالي‭ ‬سنة‭ ‬2013،‭ ‬بدعوى‭ ‬محاصرة‭ ‬العناصر‭ ‬الإرهابية‭ ‬والقضاء‭ ‬عليها‭. ‬أيضا‭ ‬مؤخرا‭ ‬أعلن‭ ‬جيش‭ ‬بوركينافاسو‭ ‬انتهاء‭ ‬عمليات‭ ‬قوة‭ ‬«سابر»‭ ‬الفرنسية‭ ‬بعد‭ ‬تنديد‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬باتفاقات‭ ‬الدفاع‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬البلدين‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬استمرار‭ ‬هجمات‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وأنزلت‭ ‬الأعلام‭ ‬الفرنسية‭ ‬بشكل‭ ‬رسمي‭.. ‬وزد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬النيجر‭ ‬وساحل‭ ‬العاج‭ ‬وغانا،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المتغيرات‭ ‬تطرح‭ ‬سؤالا‭ ‬جوهريا‭ ‬على‭ ‬رئاسة‭ ‬حكومة‭ ‬باريس‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬طبيعة‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬مستعمراتها‭ ‬السابقة،‭ ‬كالمغرب‭ ‬والجزائر‭. ‬وهنا‭ ‬أفتح‭ ‬قوسا‭ ‬لأؤكد‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬الفرنسية‭ ‬الجزائرية‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام،‭ ‬نموذج‭ ‬قضية‭ ‬أمينة‭ ‬بوراوي،‭ ‬وهي‭ ‬المواطنة‭ ‬مزدوجة‭ ‬الجنسية،‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬توتر‭ ‬وتأزم‭ ‬ديبلوماسي‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬بلغ‭ ‬حد‭ ‬استدعاء‭ ‬السفير‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬للتشاور‭.. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخضم‭ ‬وعوض‭ ‬أن‭ ‬تطرح‭ ‬فرنسا‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬أسئلة‭ ‬حول‭ ‬علاقاتها‭ ‬الدولية،‭ ‬التي‭ ‬شملت‭ ‬أيضا‭ ‬ألمانيا،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التقويم‭ ‬والتقييم،‭ ‬نراها‭ ‬تتعنت‭ ‬وتصر‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬الحامية‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الافريقية‭. ‬وهنا‭ ‬ندرج‭ ‬حالة‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬علاقته‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬نصف‭ ‬علاقاتنا‭ ‬بها‭ ‬بـ‭ ‬«التاريخية»‭.. ‬لقد‭ ‬برز‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬مختلفا‭ ‬في‭ ‬علاقته‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭ ‬منذ‭ ‬اعتلائه‭ ‬العرش‭ ‬سنة‭ ‬1999‭. ‬وهناك‭ ‬محطتين‭ ‬فارقتين‭ ‬ومميزتين‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬فبراير‭ ‬2014،‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬أبيدجان،‭ ‬لما‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬تحالف‭ ‬أفريقي‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬وكذا‭ ‬تعبئة‭ ‬مستدامة‭ ‬وعملية،‭ ‬وكذا‭ ‬انبثاق‭ ‬قدرة‭ ‬القارة‭ ‬الافريقية‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والأمن‭ ‬الإنساني‭ ‬والأمن‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭.. ‬ليختم‭ ‬بالقول: «أفريقيا‭ ‬المبادرة‭ ‬التي‭ ‬تأخذ‭ ‬زمام‭ ‬مصيرها‭ ‬بيدها»،‭ ‬وهذه‭ ‬إشارة‭ ‬واضحة‭ ‬لتعاون‭ ‬جنوب‭ ‬جنوب‭ ‬وتنسيق‭ ‬كل‭ ‬المبادرات‭ ‬التنموية،‭ ‬مادام‭ ‬أنه‭ ‬لايمكن‭ ‬لأفريقيا‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الشمال‭ ‬دائما‭ ‬لضمان‭ ‬تنميتها‭ ‬وأمنها‭. ‬والعقود‭ ‬بينت‭ ‬ذلك‭ ‬بشكل‭ ‬جلي‭ ‬وواضح،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬مصلحة‭ ‬الشمال‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬الجنوب‭ ‬متخلفا‭ ‬غارقا‭ ‬في‭ ‬مشاكله‭ ‬التنموية‭ ‬والأمنية،‭ ‬كما‭ ‬من‭ ‬مصلحته‭ ‬عدم‭ ‬حل‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬لأن‭ ‬أساس‭ ‬قوته‭ ‬هو‭ ‬استمرار‭ ‬ضعف‭ ‬الجنوب،‭ ‬بل‭ ‬ويتم‭ ‬تغذية‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بشكل‭ ‬دائم‭. ‬ومن‭ ‬مصلحة‭ ‬الشمال‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬بؤر‭ ‬التوتر‭ ‬مستمرة‭ ‬ومشتعلة‭ ‬لأنها‭ ‬تعطيهم‭ ‬أوراق‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬هذا‭ ‬التوتر‭.‬
المحطة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التحول،‭ ‬خطاب‭ ‬قمة‭ ‬الرياض‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬فيه‭ ‬المغرب‭ ‬تغيير‭ ‬اتجاهات‭ ‬تحالفاته‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مثلا‭ ‬نحو‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬والهند‭ ‬مع‭ ‬تقوية‭ ‬حضوره‭ ‬أفريقيا‭ ‬عبر‭ ‬العودة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الافريقي،‭ ‬وما‭ ‬صاحب‭ ‬هذا‭ ‬الحضور‭ ‬المغربي‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬مالية‭ ‬نحو‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭. ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬بدأ‭ ‬يزعج‭ ‬فرنسا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا‭ ‬ومن‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬فلكها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نجده‭ ‬مضمنا‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬السياسيين‭ ‬وكذا‭ ‬عبر‭ ‬إعلامهم،‭ ‬بل‭ ‬ويعتبرون‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬لأرضية‭ ‬الاستقلال‭ ‬الافريقي‭ ‬الثاني‭ ‬عن‭ ‬فرنسا،‭ ‬وهو‭ ‬قائد‭ ‬التمرد‭ ‬القاري‭ ‬ضد‭ ‬مصالح‭ ‬فرنسا‭. ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يخفي‭ ‬هذا‭ ‬التوجه،‭ ‬وليس‭ ‬عملا‭ ‬في‭ ‬الخفاء،‭ ‬وبرز‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬كما‭ ‬قلت‭ ‬في‭ ‬خطابي‭ ‬الرياض‭ ‬وأبيدجان،‭ ‬بل وصرح‭ ‬بها‭ ‬لفرنسا‭ ‬والغرب،‭ ‬إذ‭ ‬ظهرت‭ ‬نخب‭ ‬سياسية‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬وأفريقيا،‭ ‬لاتفكر‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬النخب‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬المصلحية‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭.. ‬هي‭ ‬تحولات‭ ‬متراكمة‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬ما‭ ‬نشاهده‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬تهجم‭ ‬إعلامي‭ ‬وسياسي‭ ‬ضد‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المستعمر‭ ‬السابق‭..‬
 
كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يشهد‭ ‬فيه‭ ‬الجميع‭ ‬بالعلاقات‭ ‬التاريخية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وفرنسا؟
فعلا‭ ‬هي‭ ‬علاقات‭ ‬كاملة‭ ‬الأوصاف‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الظاهر،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬وبالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬العلاقة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام‭ ‬وطبعتها‭ ‬الأزمات،‭ ‬من‭ ‬دوغول‭ ‬إلى‭ ‬ميتران،‭ ‬وباستثناء‭ ‬مرحلة‭ ‬جيسكار‭ ‬ديستان،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تهدئة‭ ‬اضطرارية‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬بحكم‭ ‬السياق‭ ‬الدولي‭ ‬وقضية‭ ‬الصحراء‭ ‬ودخول‭ ‬موريتانيا‭ ‬على‭ ‬الخط‭.. ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬فترة‭ ‬التوتر‭ ‬والشد‭ ‬والجذب‭ ‬عادت‭ ‬مع‭ ‬فرانسوا‭ ‬هولاند‭ ‬واليوم‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الرئيس‭ ‬ماكرون،‭ ‬"عاجبو‭ ‬راسو‭ ‬شوي"‭ ‬ويعتبر‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬أذكى‭ ‬خلق‭ ‬لله‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬وبالدارجة‭ ‬"ناقصاه‭ ‬غلية،‭ ‬باقي‭ ‬اخضر"‭ ‬ويعمل‭ ‬بسياسة‭ ‬Brusquer‭ ‬جميع‭ ‬شركائه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التمرد‭ ‬والانتفاضة‭ ‬جراء‭ ‬العلاقات‭ ‬غير‭ ‬المتوازنة‭.. ‬مثلا‭ ‬عندما‭ ‬أراد‭ ‬المغرب‭ ‬إنجاز‭ ‬القطار‭ ‬فائق‭ ‬السرعة‭ ‬صرح‭ ‬لفرنسا‭ ‬بأن‭ ‬العرض‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬مرتفع‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬نظيره‭ ‬الصيني‭ ‬بنفس‭ ‬المردودية‭ ‬وبنفس‭ ‬الجودة،‭ ‬ومادام‭ ‬قانون‭ ‬السوق‭ ‬حر،‭ ‬فمن‭ ‬الحق‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬يبحث‭ ‬بدوره‭ ‬عن‭ ‬مصالحه‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬دون‭ ‬الارتباط‭ ‬بفرنسا‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭..‬
 
هل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬تطورات‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬عبر‭ ‬الاعتراف‭ ‬الأمريكي‭ ‬والإسباني‭ ‬بنجاعة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬"تحررا"‭ ‬من‭ ‬الارتهان‭ ‬لفرنسا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أسباب‭ ‬هذا‭ ‬التهجم‭ ‬الإعلامي‭ ‬لباريس؟.
طبعا،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التطورات،‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬صورة‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬جعلت‭ ‬أمريكا‭ ‬تقر‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء،‭ ‬وإسبانيا‭ ‬بنجاعة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬وسحب‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬لاعترافها‭ ‬بجمهوربة‭ ‬"الماكيط"،‭ ‬هذا‭ ‬بفضل‭ ‬جهود‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬ب‭ ‬"الديبلوماسية‭ ‬المحمدية"‭ ‬نسبة‭ ‬للملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ ‬دينامية‭ ‬ديبلوماسية‭ ‬جديدة،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬إدراج‭ ‬التقارب‭ ‬المغربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬جديدا‭ ‬كما‭ ‬تروج‭ ‬له‭ ‬الصحف‭ ‬الفرنسية،‭ ‬فسنة‭ ‬2002‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬مكتب‭ ‬للاتصال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وتم‭ ‬غلقه‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬عربي‭ ‬وإسلامي‭ ‬ارتباطا‭ ‬بقضة‭ ‬القدس،‭ ‬وكنا‭ ‬ضمن‭ ‬مجالات‭ ‬اتفاقية‭ ‬أوسلو‭ ‬سنة‭ ‬1993‭. ‬وبالعودة‭ ‬لعلاقة‭ ‬فرنسا‭ ‬بالمغرب‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬فهي‭ ‬كانت‭ ‬تتعامل‭ ‬معنا‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬"الحد‭ ‬الأدنى"،‭ ‬بالمقابل‭ ‬المغرب‭ ‬قدم‭ ‬تنازلات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬بلغت‭ ‬حد‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬فيما‭ ‬ظل‭ ‬خصوم‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬عالقون‭ ‬في‭ ‬مطالب‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬لها‭ ‬الراهنية‭ ‬والواقعية‭..‬
 
لكن‭ ‬إلى‭ ‬متى‭ ‬تظل‭ ‬الورقة‭ ‬الحقوقية‭ ‬وسيلة‭ ‬ضغط‭ ‬في‭ ‬فرنسا؟‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬يسايرون‭ ‬باريس‭ ‬في‭ ‬الإساءة‭ ‬للرباط؟
لابد‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬عالميا‭ ‬في‭ ‬تراجع،‭ ‬وهذا‭ ‬نقاش‭ ‬داخلي‭ ‬وسط‭ ‬النخبة‭ ‬الفرنسية‭ ‬والدولة‭ ‬العميقة،‭ ‬تقهقرت‭ ‬من‭ ‬الرتبة‭ ‬الرابعة‭ ‬اقتصاديا‭ ‬إلى‭ ‬الرتبة‭ ‬السابعة‭ ‬وراء‭ ‬الهند،‭ ‬هذا‭ ‬تحول‭ ‬مهم،‭ ‬والفرنسيون‭ ‬يعيشون le vivent mal وزاد‭ ‬من‭ ‬تعميق‭ ‬الأوضاع،‭ ‬هذا‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬يفتقد‭ ‬التجربة‭ ‬السياسية،‭ ‬ويروج‭ ‬أنه‭ ‬رسب‭ ‬في‭ ‬امتحان‭ ‬المدرسة‭ ‬الوطنية‭ ‬للإدارة،‭ ‬وهو‭ ‬يتحرك‭ ‬وفق‭ ‬لوبيات‭ ‬ومصالح‭ ‬اقتصادية‭ ‬كبرى،‭ ‬ويزعجها‭ ‬هذا‭ ‬التحرك‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬والعالم،‭ ‬لأنه‭ ‬بدأ‭ ‬يتخلص‭ ‬من‭ ‬ربقة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الجديد،‭ ‬وهناك‭ ‬طرح‭ ‬آخر،‭ ‬تتخوف‭ ‬منه‭ ‬فرنسا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬بالنظر‭ ‬للتاريخ‭ ‬القديم،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المغرب‭ ‬"تركيا‭ ‬شمال‭ ‬افريقيا"،‭ ‬وبالتالي‭ ‬هناك‭ ‬عقدة‭ ‬نفسية‭ ‬لدى‭ ‬فرنسا،‭ ‬وأن‭ ‬تحظى‭ ‬مقترحات‭ ‬القرارات‭ ‬الفرنسية‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬المغرب‭ ‬بدعم‭ ‬أوربي،‭ ‬فهذا‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬المصالح‭ ‬المتبادلة‭. ‬ثم‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتساءل،‭ ‬ما‭ ‬قيمة‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬الأوربي‭ ‬الأخير،‭ ‬فهو‭ ‬غير‭ ‬ملزم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الأعضاء‭ ‬الذين‭ ‬صوتوا‭ ‬للقرار،‭ ‬يعتبرونه‭ ‬كذلك‭ ‬لن‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬علاقاتهم‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬كما‭ ‬لن‭ ‬تتأثر‭ ‬به‭ ‬فرنسا‭ ‬وتحقق‭ ‬به‭ ‬مرادها‭. ‬طبعا‭ ‬هناك‭ ‬إصرار‭ ‬فرنسي‭ ‬على‭ ‬محاولة‭ ‬عزل‭ ‬المغرب‭ ‬دوليا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الورقة‭ ‬الحقوقية،‭ ‬وتسفيه‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬المغرب‭ ‬بشكل‭ ‬استثنائي،‭ ‬عبر‭ ‬هيئة‭ ‬الإنصاف‭ ‬والمصالحة،‭ ‬وهي‭ ‬بهذا‭ ‬تريد‭ ‬إضعاف‭ ‬الرباط،‭ ‬حتى‭ ‬لاتقوم‭ ‬له‭ ‬قائمة،‭ ‬ويظل‭ ‬رهين‭ ‬السياسة‭ ‬الفرنسية‭. ‬ولاحظ‭ ‬أن‭ ‬تأثير‭ ‬فرنسا‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بمجموعة‭ ‬27‭ ‬في‭ ‬أوربا،‭ ‬أي‭ ‬الغربية،‭ ‬ورغم‭ ‬الاختلاف‭ ‬الفرنسي‭ ‬الألماني‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬التسلح،‭ ‬فهناك‭ ‬توافقات‭ ‬بالنظر‭ ‬للمصالح‭ ‬المشتركة‭..‬

وعندما‭ ‬تتحدث‭ ‬فرنسا‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة‭ ‬والتجمع‭ ‬والتظاهر،‭ ‬فهي‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بحالات‭ ‬معزولة‭ ‬ومعدودة‭ ‬وليس‭ ‬توجها‭ ‬رسميا‭ ‬لانتهاك‭ ‬الحقوق‭. ‬بالمقابل‭ ‬من‭ ‬يحاسب‭ ‬فرنسا‭ ‬على‭ ‬تنكيلها‭ ‬بأصحاب‭ ‬"الجيليات‭ ‬الصفر"‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الموثقة‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة‭. ‬والمغرب‭ ‬يدرك‭ ‬ذلك،‭ ‬وعليه‭ ‬تقوية‭ ‬موقفه‭ ‬دوليا،‭ ‬لانه‭ ‬لايعقل‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬المغاربة‭ ‬رهائن‭ ‬الساسة‭ ‬الفرنسيين‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬وحدتهم‭ ‬الترابية‭ ‬واقتصادهم‭ ‬ولغتهم‭..‬