مصطفى المتوكل الساحلي: اشتدت الأزمة.. وانفراجها  لن يتأتى بالسياسات التي أنتجتها

مصطفى المتوكل الساحلي: اشتدت الأزمة.. وانفراجها  لن يتأتى بالسياسات التي أنتجتها مصطفى المتوكل الساحلي 
الحديث عن الفقر والهشاشة والغلاء ليس مجرد خبر وإخبار في الإعلام ونشراته بالأوطان وبالعالم، ولن  يعالج بإجراءات مؤقتة ومناسباتية بتوزيع مساعدات و"صدقات" من  المؤسسات ومن المحسنين. ذلك أن المفهوم الحقوقي والإنساني للاحسان في ديننا  تؤطره قواعد جوهرية بأن يكون من روح : "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ"  سورة  النحل.  ﴿وَٱبۡتَغِ فِیمَاۤ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡـَٔاخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِیبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡیَاۖ وَأَحۡسِن كَمَاۤ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَیۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِی ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ﴾سورة  القصص، ومن القصد النبيل : قول الرسول (ص) "المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا، ثُمَّ شَبّك بين أَصابعه". وليس بالإبقاء على ما يفقر الناس ويضعف أحوالهم، إن إحسان الله يشمل كل شيئ من خلق الكون والمخلوقات ومنها الانسان، والقرآن الكريم به توصيفات له  وبالأحاديث ذكر لمعانيه وتجلياته في العدل والمساواة والتكريم والرحمة والاخلاق.
إن وضع حد للفقر والهشاشة لا يتحقق فقط بالتطرق لأحوال الفقراء والمساكين في الدروس والخطب والمواعظ بحث "الأغنياء" و "الاثرياء" ومن يجب عليهم إخراج الزكاة وإعطاء الصدقات دون توضيح  وبسط الأسباب المؤدية للفقر والجهل والهشاشة والعجز عن توفير الأكل والملبس والعلاج والتعلم. وتنبيه أولي الأمر .
إن المسؤولية تسري بقوة الدستور والشرع على القوى الوطنية من أحزاب سياسية وقوى مجتمعية من  الذين يتنافسون في شرح برامجهم السياسية والانتخابية التي سيطبقونها إن تولوا الحكم بالحكومة  حيث قدموا لذلك بالالتزامات والوعود والعهود بالقضاء على الفقر وخلق مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة وتخصيص اعتمادات شهرية للعاطلين الفقراء ولتحقيق التنمية والتقدم الشاملين، ويلحق بهؤلاء بعض المنظمات والأشخاص الذين لا يظهرون ولا يتحركون إلا عندما تحدد برامج ومنح من قطاعات حكومية أو غيرها، ومنهم مشتركون يوظفون خلفيات سياسية بنوايا  انتهازية وصولية تتشابه مع من يطلق عليهم الوسطاء والشناقة في الأسواق الذين يتسببون في الاحتكار وغلاء الأسعاء والكسب غير المشروع على حساب من هم في دائرة الفقر والخصاص الذين اتسعت طبقتهم  فأصبحت تضم الموظفين الصغار والمتوسطين والشغيلة الكادحة في القطاع العام والخاص.
لقد تسببت سياسة المتحكمين في الإقتصاد العالمي الذين يفتعلون المشاكل ويشعلون النزاعات ويوفرون لها الوقود الكافي لضمان تأججها، ويوظفون أزمات وإكراهات "صحية" ومصالحية و للإبتزاز والتضييق على العالم الثالث بفرض المزيد من الإجراءات الملزمة على الدول الضعيفة التي اثقلتها بالديون والاتفاقيات. 
وتكبر الكارثة لتعم آثارها جماهير الشعوب الكادحة عندما تنساق للتوجيهات والإملاءات باعتماد حكوماتهم سياسات بقدر ما تغني الأغنياء تتسبب في مقابل ذلك في المزيد من الفقر وتفقير حتى من لم يكن يتصور وقوع ذلك، وهنا يكفي القول أن الطبقة المتوسطة التي كانت هي القوة الضامنة للتوازن والحركية الاقتصادية أصيبت في المقاتل وانهارت قوتها السياسية المدنية كما تردت قدراتها الاقتصادية والشرائية إلى النصف وأكثر حسب المناطق والوظائف.
لقد تأكد بالملوس عند الناس أن الأزمة منذ قرابة عقدين لا تتجه للانفراج وتحسين الأوضاع المعيشية للغالبية العظمى من الشعب بل تشتد عليهم وتضعف أحوالهم وقدراتهم وتجعلهم عاجزين حتى عن أداء وقضاء ما كان ممكنا ومقدورا عليه قبل أربعة سنوات.
فهل ستغير الحكومات سياساتها بشكل فعلي وعملي للقطع مع الفقر وترسيمه بالعمل من أجل تقوية الطبقة الوسطى وتوسيعها وحمايتها من أهوائها السياسية وبإقرار عدالة اقتصادية واجتماعية شاملة ومستدامة تجعل كل الشعب خارج دائرة الفقر ومستغنيا عن الصدقات المالية والعينية المناسباتية؟
لقد اجتمع على الناس الفقر والوباء والغلاء، لهذا وجب التنبيه من آثار ارتفاع الأسعار والاحتكار وتجميد الأجور وتقليص فرض الشغل، فإن لصبر المتضرر حدودا. ووجب القول التذكير بإن للضعفاء ومنهم  الفقراء والمساكين مكانة وحرمة عند الله ورسله.
 قال امير المؤمنين علي بن أبي طالب (ض) : "إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متع به غني؛ والله تعالى سائلهم عن ذلك."
جاء في الاثر : "قيل لإبراهيم بن أدهم: إن اللحم قد غلا ؟ فقال أرخصوه، أي لا تشتروه"