يوسف لهلالي: هل هناك ازمة بين الرباط وباريس؟

يوسف لهلالي: هل هناك ازمة بين الرباط وباريس؟ يوسف لهلالي
هل توجد أزمة بين الرباط وباريس؟ هذا السؤال أصبح يتردد في الضفتين وسط وسائل الاعلام في البلدين، بالنسبة لباريس، لا توجد اية ازمة ديبلوماسية، فقد نفت وزارة الخارجية مؤخرا وجود أزمة بينها وبين المغرب، مؤكدة أن الشراكة بين البلدين "استثنائية"، وذلك ردا على انتقادات جاءت من أعضاء من مجلس النواب المغربي حول موقف نواب الأغلبية من حزب الرئيس ايمانويل ماكرون داخل البرلمان الأوربي. وهو نفس الموقف الذي ردده السفير الفرنسي بالرباط لاحد وسائل الاعلام المغربية هذا الاسبوع.
تصويت البرلمان الأوربي بأغلبية قبل أسبوع على قرار أعرب فيه عن القلق من تدهور حرية الصحافة في المملكة، اعتبر في الرباط سلوكا عدوانيا. وحمل نواب من مجلس النواب المغربي المسؤولية لباريس، بعد قيام نواب فرنسيين من الحزب الحاكم بالحملة لصالح قرار ادانة المغرب، وهو سلوك لم يصدر من فرنسا واوربا ومؤسساتها مند أكثر من 25 سنة. التي يبدو ان سياسة تنويع الشركاء الدوليين والشراكة مع بلدان افريقيا وراء غضب باريس.

ولم يتردد أحد أعضاء البرلمان المغربي أحمد التويزي بالقول إن قرار البرلمان الأوروبي يقف خلفه "بلد كنا نعتقد أنه صديق وشريك موثوق به، لكن رائحة الغاز أفقدته صوابه"، في إشارة الى التقارب بين باريس والجزائر والى الزيارة التي يقوم بها السعيد الشنغريحة للعاصمة الفرنسية والتي استقبله خلالها الرئيس الفرنسي باعتباره ممثل السلطة الحقيقية بالجزائر.

لحسن حداد الذي يترأس اللجنة البرلمانية المختلطة المغربية الاوربية، صرح لصحافة ان " انه لا يعتقد ان دور البرلمان الأوربي هو إعطاء الدروس لباقي العالم، دوره هو تدبير الشؤون الاوربية، نحن اليوم تجاوزنا المرحلة التي كان فيها الاوربيون يعطون الدروس لسكان الجنوب، عليكم احترام مؤسساتنا. كما ادان هذا المنتخب تصرفات النواب الليبراليين التابعين لحزب ايمانويل ماكرون ورئيسهم ستيفان سيجورني المقرب من الرئيس والذي ساند بقوة هذا القرار. " لا نفهم هذا التصعيد من جانب أصدقائنا الفرنسيين الذين نقتسم معهم أشياء كثيرة. "هذا بالإضافة الى الأولوية الكبيرة التي يعطيها الرئيس وفريقه في إعادة العلاقة مع قصر المرادية على حساب العلاقات مع الرباط.

تزامنت هذه الازمة بين العاصمتين والتي ينفي وجودها الطرف الفرنسي، مع قرار المغرب الغاء اجتماعين تقنيين بدون توضيح الأسباب في مجال الدفاع وفي المجال القضائي. وهو ما يعني ان الزيارة التي كانت منتظرة لرئيس الفرنسي الى الرباط والتي لم يحدد لها موعد بعد، ذهبت هي الأخرى في مهب الريح. السؤال هل الصراع بين الطرفين سوف يبقى حبيس المؤسسات الاوربية واستعمال التحالف مع الجزائر باي ثمن كوسيلة ضغط على الرباط او سوف ينتقل هذا الصراع الى افريقيا حيث يتوفر البلدان عن مصالح اقتصادية وهي وأحيانا مصالح مشتركة لعمق الشراكة الاقتصادية بين البلدين في العديد من المجالات. هذه كلها تساؤلات يطرحها المتتبعون حول مال هذه الازمة.
وتمكنت العلاقات بين البلدين من تخطي ازمة أولى اندلعت السنة الماضية، والتي سميت بأزمة التأشيرات. وشهدت انفراجا بعد الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية كاترين كولونا إلى المغرب في شهر ديسمبر الماضي، تخلت فها فرنسا عن استعمال التأشيرات كعقاب جماعي، كما فتحت هذه الزيارة الافاق لإعادة بناء جديدة، وفتح افاق لقمة جديدة بين البلدين.

لكن بالنسبة لرباط، صلب الازمة السابقة   لم يكن التأشيرات بل الموقف من قضية الأقاليم الجنوبية، حيث ان الموقف الفرنسي لدعم المقترح المغربي للحكم الذاتي كحل وحيد وناجح، والذي كانت باريس سباقة الى تبنيه كأول بلد اوربي، أصبح اليوم موقفا متجاوزا بعد قرار واشنطن الاعتراف بمغربية الصحراء. خاصة ان المغرب يؤاخذ على فرنسا، باعتبارها القوة الاستعمارية السابقة والتي كانت مسؤولة عن تغيير الخرائط السياسية للمنطقة خاصة التي تمس المغرب سواء في الجنوب والشرق. وهو ما دفع عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، إلى المطالبة وبشكل صريح ب «ضرورة خروج فرنسا من المنطقة الرمادية وألا تظل تلعب دور المراقب بشأن نزاع الصحراء المغربية، مبرزا أنه "حان الوقت للخروج من هذه الوضعية"
أمام هذا الوضع، يبدو حسب مصادر مغربية لا تريد الكشف عن هويتها، اختارت باريس التصعيد. وعوض المواجهة المباشرة مع الرباط، اختارت استعمال المؤسسات الاوربية، والبرلمان كجبهة موحدة ضد المغرب. وبشكل موازي مع ذلك، اختارت فك الحصار عن المؤسسة السياسية العسكرية بالجزائر بعد تصاعد أصوات داخل الكونغريس الأمريكي بمعاقبة المؤسسة العسكرية حول مشترياتها الضخمة من الأسلحة الروسية. وذلك رغبة في استرجاع نفوذها الثقافي والاقتصادي الذي تراجع في السنوات الأخيرة.
السؤال المطروح، هل يمكن لنظام الجزائري الذهاب بعيدا في تحالفه مع فرنسا ضد روسيا لمواجهة الوضع ببلدان الساحل الافريقي وهل ويختار المواجهة مع ملشيات فاغنر الروسية سواء بمالي او بوركينا فاصو؟ هل ستعوض المؤسسة العسكرية الأسلحة الروسية التي تعتمد عليها مند استقلالها بمشتريات من باريس؟ وكيف يمكنها تغيير بنية الجيش الجزائري التي تعتمد على 80 في المائة من تجهيزاته الثقيلة على الصناعة الحربية الروسية؟

طبعا، الرئيس الفرنسي حاول في حقبته الرئاسية الأولى، التطبيع مع الجزائر، ووصلت محاولته الأولى الى الباب المسدود حول الذاكرة بين البلدين، وانتهت بتصريحاته المشهورة اثناء الحملة الانتخابية لرئاسيات سنة 2021 بتوجيه أصابع الاتهام للسلطة الجزائرية السياسية والعسكرية والتي اتهمها " بحشد الضغينة والكره لفرنسا " وأضاف ماكرون: "إن الضغينة والعداء ضد فرنسا لا تأتي من الشعب الجزائري بل من السلطة السياسية والعسكرية الجزائرية التي أسست نفسها على ريع الذاكرة." وهي تصريحات قاسية كانت موجهة مباشرة للحاكمين الفعليين للجارة الشرقية.

فرنسا تنفي اية ازمة مع المغرب، لكن ما وقع بالبرلمان الأوربي لا يسير في هذا الاتجاه، خاصة الدور الذي لعبه نواب الحزب الحاكم بباريس في استصدار قرار يدين المغرب. وهو ما يعني ان العلاقات بين البلدين دخلت في دوامة جديدة، اختارت فيها باريس استعمال جبهتين لمواجهة المغرب، جبهة بروكسيل من جهة، من أجل تليين موقف الرباط ليصبح أكثر قربا من رؤيتها الجيوسياسية وجبهة الجزائر من جهة أخرى كوسيلة ضغط وتشويش إضافية، وهي خطة تجاوب معها قصر المرادية بسرعة وهي فرصة سانحة له للخروج من العزلة الدولية ومن ضغط واشنطن.