أحمد بومعيز : ورطة فرنسا بين المغرب والجزائر

أحمد بومعيز : ورطة فرنسا بين المغرب والجزائر أحمد بومعيز
يبدو أن التوتر بات هو القاعدة التي تحكم العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا،والاستثناء هو الانفراج والوضوح في المواقف والقرارات . وفي نفس السياق ،تظهر الجزائر كعنصر تابث في هذه المعادلة الثلاثية الأبعاد : فرنسا ، المغرب، والجزائر . 
كما يبدو أيضا،ووفق التحولات الإقليمية والدولية الراهنة ،أن فرنسا باتت غير قادرة على حسم مجموعة من التناقضات التي تظهر على أدائها الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، وحتى العسكري، في شمال إفريقيا، وفي علاقة بين المغرب والجزائر. مع العلم أن فرنسا هي أقرب دولة أوروبية للمنطقة وللدولتين - سياسيا وتاريخيا واقتصاديا- 
والأكيد أن لفرنسا تأثيرها على المنطقة،وهي الدولة المستعمرة سابقا ،والمرجع الذي تأسست عليه مؤسسات وإدارات الدولة العصرية بأغلب دول المغرب العربي، باستثناء ليبيا. وقد كانت إلى جانب ذلك، المؤثر والمفبرك الأساس في هندسة الخرائط والجوغرافيا السياسية في المنطقة، وتوزيع مناطق النفود والسيادة بها، وفق مرجعيات استعمارية رعت وراعت كل تفاصيل و إمكانيات التحكم في المنطقة استراتيجيا في مرحلة ما بعد الاستعمار . كما لا يجوز أن ننفي عن فرنسا،واسبانيا أيضا- ولو في مستوى تأثير أقل - ،مسؤولية النزاع بين المغرب والجزائر ،وافتعال مشكل الصحراء،وخلق منطقة توتر بالمنطقة، حتى تتمكن من لعب دور الريادة والتحكم في مسارات التحول إقليميا، ومن تم التحرك بأمان فيما كانت تعتبره فرنسا حدائقا خلفية لها،ومناطقا تقليدية لنفوذها بإفريقيا .
ورغم هذا الطرح ،لا بد من الإشارة ،أن فرنسا راهنت على المغرب أكثر  من الجزائر ، واعتباره حليفا استراتيجيا، بحكم التقارب بينها و بين مؤسسة الحكم بالمغرب منذ السنوات الأولى للحماية ، وإشراف وهندسة " اليوطي" لعدد من قواعد وأسس الإدارة المغربية الحديثة .وأيضا للصراع الدموي مع جزائر إبان حرب التحرير وبعدها، إثر تحول الجزائر إلى المعسكر الشرقي بعد الإطاحة بحكومة بن بلة سنة 1965. 
لكن ،وكما سلف الذكر،ووفق المعطيات والتقلبات الجيوسياسية الأخيرة ،أصبحت فرنسا غير قادرة راهنا على التحكم في اختياراتها، بين المغرب والجزائر،وبالأحرى بين مصالح المغرب،ومصالح  الجزائر ،وخصوصا أن الجزائر صارت حاسمة في علاقاتها المقطوعة مع المغرب بقرار أحادي منها،ورفضها لكل تسوية عادلة لملف الصحراء المغربية،وبالتالي تصديها بشكل هستيريي ومرعب لكل مصالح المغرب كدولة، ومشاعر المغرب كشعب ومواطنين .  وهنا ،يمكن أن نصوغ بعض الفرضيات التي تكون قد أترث فعليا على فرنسا ،وأدخلتها في دوامة التردد الذي بات يعقد تفاصيل وعناصر المعادلة الإقليمية أكثر مما هي معقدة أصلا : 
- فقد تكون فرنسا غير قابلة لتدخل المغرب اقتصاديا ،وفي مجال الاستثمار والإدارة ، في عدد من دول إفريقيا مؤخرا ،وهي لا زالت تحلم بقاعدة خلفية لها بهذه الدول،وخصوصا الفرانكفونية منها .. 
- وقد تكون فرنسا غير قادرة على التأثير على دول المنطقة كما كانت،فبدأت تنهج تكتيك التفرقة والبلبلة لاسترجاع نفوذ سالف..
- وقد يكون ماكرون وحزبه ،أو المؤسسات واللوبيات التي قادته إلى الاليزي، بصدد التمرد على قواعد الحكمة السابقة لرؤساء وأحزاب فرنسا التقليديين..
- وقد تكون فرنسا متأثرة بما يقع في أوروبا بشكل عام ،بعد أن أصبحت جل دولها في درجة كبيرة من العجز والهشاشة الاقتصادية والاجتماعية ،بعد خروج ابريطانيا من الاتحاد الاوروبي،وإعلان الحرب في أوكرانيا،وتردد الولايات المتحدة في دعم تأهيل فرنسا خصوصا،وبذلك باتت فرنسا تبحث عن حل محتمل كان ماضيا،وبات حلما في الجزائر ..
- وقد تكون فرنسا راغبة في تحسين علاقاتها مع الجزائر لمنافسة روسيا التي كانت تفوز بصفقات التسلح هناك ،وأن روسيا باتت قريبة من المنطقة عسكريا بعد تراجع تدخل ودور فرنسا في منطقة الساحل وليبيا..
- وقد تكون فرنسا بصدد محاولة صعبة للرجوع عسكريا واستراتيجيا إلى شمال إفريقيا عبر الجزائر بعد خيبتها في ليبيا والتي أشرفت وأسرفت في تدميرها بعد  قتل القدافي ..
- وقد تكون فرنسا غير راضية على التموقع الجديد للولايات المتحدة في المنطقة ،وتخصوصا بعد اعترافها بمغربية الصحراء ..
- وقد تكون أيضا غير راضية على التقارب الجديد القديم بين المغرب وإسبانيا،وهو ما يجعل فرنسا بعيدة عن الريادة في العلاقة والمصالح بين بلدان الجوار إقليميا.
- وقد تكون فرنسا تلهت في طمع زائد في عائدات الغاز والنفط  المستباحة لحكام الجزائر،والذين لن يترددوا في تحوليها إلى قطع أسلحة أو حتى هدايا للإليزي،كما فعل وكان يفعل القدافي مع ساركوزي..
- وأخيرا ومهما يكن من احتمالات وفرضيات ،ومهما يكن لفرنسا من مصالح تابثة أو محتملة أو ضائعة بالمنطقة ،فالأكيد أن فرنسا تلعب بالنار في دول شمال افريقيا كلها ،وأنها قد تكون الخاسر الأكبر في هذه اللعبة القدرة ،لأن فرنسا تاريخيا وراهنا،هي دولة مورطة في كل مشاكل ومآسي دول المنطقة ،وسيكون مستقبلا حسابها عسيرا مع كل الأجيال التي تعيش في ذات الدول أو فرق تراب فرنسا نفسها.