أكد تصويت البرلمان الأوروبي، يوم الخميس 19 يناير 2022، على قرار بإدانة المغرب في قضايا تتعلق بحرية الصحافة وحقوق الإنسان أن بلادنا تحولت، بفعل اختياراتها الاستراتيجية الجديدة، إلى مصدر إزعاج لأوروبا. كما أكد أن البرلمان الأوروبي تفوح منه روائح كريهة استنادا إلى الحملة الممنهجة والمأجورة الموجهة ضد المغرب، ظنا من اللوبي الضاغط (الفرنسي بالأساس) أن المغرب "بلد ضعيف وبارد"، وأن قراره الحشري كفيل بهز أركان الدولة وتحويل مؤسساتها إلى دموع تسيل على قارعة الطريق.
لقد أثبت البرلمان الأوروبي أنه تحول إلى مؤسسة للابتزاز السياسي وأداة "تشريعية" للفرملة الممنهجة ضد أي قوة صاعدة، ومطرقة جاهزة لدق عنق البلدان التي تطمح إلى بناء نموذجها التنموي بعيدا عن إملاءات أوروبا الاستعمارية. ولقد اتضح ذلك من خلال مجموعة من المؤشرات، نجملها في ما يلي:
أولا: التقرير الذي أعده، أواخر سنة 2020، المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، والذي أوصى بضرورة كبح جماح المغرب وعرقلة نموه الاقتصادي، وعدم السماح له بأن يصبح أقوى مغاربيا، خاصة أمام النمو الاقتصادي البطيء للجزائر وتونس.
ثانيا: الهجوم الممنهج ضد الأجهزة الأمنية المغربية التي حققت نتائج باهرة باعتراف الأوروبيين أنفسهم، واتهامها بالتجسس بواسطة البرنامج الإسرائيلي بيغاسوس على قادة ووزراء وسياسين أوروبيين، لإظهاره بمظهر الدولة الاستبدادية البوليسية القامعة.
ثالثا: مهاجمة المؤسسة القضائية المغربية عبر "تتفيه أحكامها" ومحاولة التدخل في قضايا شرذمة من "الخوارج" اختاروا عن طواعية خوض الحرب على بلادهم لفائدة الأعداء.
فهل تحول البرلمان الأوروبي إلى حضن للاسترزاق للجهة التي تدفع أكثر، وأداة تسخرها الجهات المعادية لترهيب بلادنا؟
لماذا هذا التركيز المرضي والغريب على المغرب؟(112 سؤالا برلمانيا منذ بداية الدورة التشريعية الجارية، و18 مشروع تعديل، و4 مشاريع قرارات، خلال سنة 2022 وحدها)، ولماذا هذا الإصرار المريب على حشره في كل الأزمات الساخنة، وإسقاط اسمه على كل القضايا المرتبطة بالانتهاك والفساد وخرق حقوق الإنسان، والحال أن للمغرب مؤسساته التشريعية والقضائية والسياسية والمدنية التي تدبر أمور المغاربة بحرص على الدمقرطة والتطور؟
هل يحب البرلمان الأوروبي المغاربة إلى الحد الذي قاده إلى المطالبة بتمتيعهم بالحق في التعبير، وإصدار "قراره الآمر"، كأنه أمام دولة قاصرة وجانحة تنتظر من يعيد تربيتها؟
ما سر سكوت البرلمان الأوروبي على قضايا الفساد التي يتابع فيها مسؤولون أوروبيون سابقون وحاليون- وهي أكبر من أن تحصى- واختيارهم لبلادنا بهذا التركيز الممنهج، بينما هناك دول في الجوار الإقليمي مشهود لها بالإمعان المريح في ملاحقة الصحافيين الأحرار وسجنهم وإغلاق صحفهم أو التدخل من أجل طردهم وتجويعهم لإركاعهم؟
لماذا أتى القرار الأوروبي متزامنا مع تورط عدد كبير من أعضاء برلمانه في قضايا ترتبط بالرشوة والتلاعب؟ هل هي محاولة لصرف النظر، والظهور بمظهر ملقن الدروس للغير، والحال أن خير ما يصدق عليه هو المثل المغربي الدارج "كون كان الخوخ يداوي كون داوا راسو"؟
لماذا تستميت أوروبا في إشاحة الأنظار عن وضعها الداخلي الفاسد في الكثير من تعبيراته، والتركيز على أقوال شرذمة من الخونة الذين لا يتركون أي فرصة للنيل من سيادة مؤسسات الدولة، بل كراء حناجرهم للجهة التي تدفع لهم لتشويه وطنهم؟
لماذا يتجاهل الأوروبيون الإنجازات التي حققتها المغرب على أصعدة متعددة ومختلفة، بما فيها حقوق الإنسان؟ وهل هذه المناورات غير المبررة تهدف بالفعل إلى إبطاء الدينامية الإيجابية التي تشهدها الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي؟
ما السر وراء "ازدواجية المعايير" التي يعتنقها الأوروبيون كلما تعلق الأمر بالمغرب، إذ في الوقت الذي يدعو البرلمان الأوروبي إلى احترام استقلالية القضاء، لا يفعل أي شيء آخر سوى التدخل في أحكامه؟ هل معنى ذلك أن قضاءنا تابع للاتحاد الأوروبي ولفرنسا بالأساس، أو أنه قاصر ويحتاج إلى تأهيل؟
لماذا اختار البرلمانيون الأوروبيون الانضمام إلى جوقة ابتزاز المغرب، رغم ما في ذلك من ضرب للشراكة المغربية الأوروبية؟
لقد أصبحت أوروبا بلا مبادئ، حين تحول "برلمانها" إلى مجرد لوبي ضغط يمارس عنجهيته الاستعمارية الفريده على دولة ذات سيادة، ولها نظامها القضائي وتوجهاتها المؤسساتية التي تتعارض مع أي إملاءات. بيد أن هذا السعار لن يُؤثر على المسار الذي اختاره المغرب على المستوى الداخلي والخارجي، خاصة أن جميع المؤسسات الوطنية، حكومة وأحزابا ونقابات وجمعيات، أعلنت عن التفافها حول التوابث والخيارات السياسية للمغرب.
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن".