بعد حوالي 15 شهرا على تعيينها في السابع من أكتوبر 2021، حطم وزراء حكومة عزيز أخنوش كل الأرقام القياسية في الفضائح؛ فما إن تنطفئ الواحدة حتى تشتعل الأخرى بسرعة مثيرة للاستغراب والارتياب، إلى درجة أن بعض المراقبين الظرفاء قال إن "الفضائح هي العلامة التجارية لهذه الحكومة" التي تعددت سقطاتها في سلسلة متصلة ومتعددة الحلقات.
ففي الوقت الذي انتظر المغاربة "حكومة للكفاءات"، ووضع حد لطغيان التسويات السياسية، والنزوع إلى "انصر أخاك" على حساب منطق الأهلية والجدارة، بُوغتوا بحكومة لا يشغلها إلا إنتاج الفضائح والسقطات، وتغذية الاحتقان الاجتماعي، والاستقواء بالأغلبية العددية من أجل الإجهاز على المكتسبات الديمقراطية التي حازتها بلادنا، إلى درجة أنها لا تتحرج، أحيانا، من وضع نفسها خارج منطوق الدستور الذي توافق عليه الشعب المغربي.
والغريب في الأمر أن المغاربة باتوا يعتبرون "مراكمة الفضائح من صميم العمل الحكومي"، ما دامت الفضائح تتجاوز الحدود الوطنية وتسافر في كل اتجاه، دون أن تجد من يلجمها أو يحد منها أو يشرح ملابساتها أو يصدر قرارات بشأنها، كأننا أمام وزراء كل واحد منهم يلعب دور رئيس الحكومة على نفسه، في غياب تام لرئيس الحكومة الفعلي الذي يكتفي بالصمت وسياسة "كم حاجة قضيناها بتركها!".
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو: لماذا يلتزم رئيس الحكومة الصمت ولا يتدخل لإعادة الأمور إلى نصابها؟ ولماذا لا يتواصل مع الشعب المغربي لوضعه في سياق ما يحدث؟ ولماذا يلجأ في أحسن الحالات إلى تسويق الفضيحة على أنها إنجاز، والفشل على أنه انتصار، والخيبة على فتح مبين؟ لماذا هذا التحيز الفريد إلى "تخراج العينين" واستحمار المغاربة؟ لماذا يتنازل على أحد اختصاصاته التي خولها له الدستور ما دام رئيس الحكومة مخول له تقديم الأجوبة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة أمام البرلمان؟
ما هو السبب في هذا التغاضي؟ هل هو ضعف رئيس الحكومة، كما يذهب إلى ذلك خصومه السياسيون؟ هل هي فقط رغبة رئيس الحكومة في وضع حلفائه في الزاوية الضيقة حتى يقوم بابتزازهم والتفاوض معهم، والظهور أمامهم بصورة "الواقي من الاصطدام" و"المنقذ من الضلال"، حتى يسهل عليه سوقهم إلى "منطقة الراحة" بالنسبة إليه؟
إن صمت رئيس الحكومة أمام هذا الوابل من السقطات غير مفهوم وغير مبرر، ولا يعني إلا شيئا واحدا، هو أن المغرب دخل مرحلة الفرجة وابتعد عن الممارسة السياسية النبيلة. كما يعني أننا بالفعل صرنا أمام مسرح للكراكيز، وكل كركوزة تقدم عرضا أقل ما يقال في شأنه أنه اختبار للإصرار على إنتاج الفضائح، وهو ما يستدعي الضغط في اتجاه إرغام كبير الوزراء (رئيس الحكومة) على الخروج بموقف واضح، مما يقترفه الوزراء من فضائح ، أو على الأقل إبداء الرأي بشكل نزيه وشفاف حول "الانحطاط السياسي والأخلاقي والتربوي" لبعض وزرائه، خاصة وأن استمرار أخنوش في صمته، ونهج سياسة الهروب إلى الأمام، قد يفسر بكونه ترجمة حرفية للإفراط في احتقار ذكاء المغاربة، كما يعتبر تزكية لكل الفضائح المقترفة.
وتبعا لذلك، فإن غياب رئيس الحكومة عن المشهد السياسي، واقعيا و افتراضيا، في وقت يستمر الوزراء في إنتاج فضائح متتالية، يطرح على الفاعل السياسي أكثر من تساؤل:
هل استمرار أخنوش في التهرب من الالتفات ما يقع، أسلوب في التدبير السياسي؟
هل يدرك أخنوش أنه "يحكم" في ظل واقع مغربي يصطخب باحتجاج المواطنين والعديد من التنظيمات المدنية والمهنية؟ وهل يدرك أن فضائح وهبي والميراوي وبايتاس وبنسعيد وحيار وبنموسى وغيرهم، وهي فضائح متلاحقة، لها مفعول الفأس على الشجرة، وأنها تقضي على كل ترصيد قام به "أبناء الشعب" (المنتخب المغربي لكرة القدم) من أجل تحسين سمعة المغرب ومكانته بين الدول؟
ألا يعتقد رئيس الحكومة أن هؤلاء الوزراء يسيئون إلى المغرب أولا وأخيرا، بالانجرار وراء المصالح الخاصة وإرغامات العائلة، واستغباء التاريخ، واستغلال النفوذ خارج أي سلطة رقابية؟
ألم يحن الوقت للتفكير في إنقاذ ما يمكن إنقاذه والقيام بتعديل حكومي في مستوى تطلعات المغاربة، وأن يكون الاختيار على أساس الكفاءة والمصداقية وعفة اليد وحسن التدبير، والولاء للوطن قبل الولاء للعشيرة الحزبية والقرابة العائلية؟
ألا يستحق المغاربة وزراء لا يغذون الاحتقان الاجتماعي، ولا يتعاملون مع الناس باحتقار كالرعاع، ولا يمسون بالحقوق، ويرسخون مبدأ تكافؤ الفرص، ولا يستقوون على المواطنين بالثراء الفاحش؟
تفاصيل أوفي في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"