خديجة مسروق تقرأ رواية " أسرار أمونة " للروائي خالد أخازي

خديجة مسروق تقرأ رواية " أسرار أمونة " للروائي خالد أخازي خالد أخازي وعمله الروائي
هدف فرنسا من احتلالها للبلدان العربية استعمار العقول بالدرجة الأولى , حتى يبقى الانسان العربي تابعا لها على مدى التاريخ . فهل تحرر العقل العربي بعد أن تحررت أراضيه من هذا الاستعمار ؟
يقول الكاتب نبيل راغب إن الاستعمار مازال قائما موجودا في البلاد العربية تمثله حالة مستترة بأشكال تتجاوز المظهر العسكري و السياسي ، منها السيطرة الثقافية و الحضارية .
الروائي المغربي خالد أخازي يقف عند أحد أبرز المحطات التاريخية التي شهدها العالم , و لها أثرها الخطير على الانسان في كل مكان لاسيما الانسان العربي و هي الحرب العالمية الثانية .
حاول أخازي في منجزه الروائي الذي يحمل عنوان ' أسرار أمونة ' الصادر العام 2021أن يؤرخ لحقبة العشرينيات من القرن الماضي وصولا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية .ليصور معاناة الشعوب العربية التي ت ترزخ آنذاك تحت نير الاحتلال, و قد عمل هذا الأخير على اذلال و اضطهاد هذه الشعوب و طمس هويتهم بأية طريقة يمكن أن تضمن بقاءه على أراضيهم لنهب خيراتها و استعباد أهلها بصورة دائمة.
أسرار أمونة رواية تعرض الواقع المزري للمجتمع العربي أثناء الحرب العالمية الثانية. اتخذ أخازي من بلدة ' الغرافين ' صورة نموذجية لهذا الواقع .
بلدة الغرافين التي تجري فيها أحداث الرواية تقع بالمغرب الأقصى ساحلية يقع بمحاذاتها منجم الفضة الذي سيطرت عليه فرنسا المحتلة .
و قد عرفت بلدة الغرافين قبل و أثناء الحرب العالمية الثانية أزمة اقتصادية حادة . و جنح سها إلى تصديق الخرافة و هم الذين عرفوا بالشهامة والرجولة قبل أن تنقلب الأوضاع , فاليائس يتعلق بأي بصيص يمكن أن يمده بالأمل .و عمل الاحتلال الفرنسي على ترسيخ هذه المعتقدات الخرافية في أذهان الناس .
و ظهرت ' العالية ' للوجود في بلدة الغرافين . و هي امرأة دجالة استغلت ظروف الناس المزرية لتدعي أنها صاحبة كرامات و أن اليقين يأتيها من عند ' سيدي الفراش ' و اسمه الحقيقي محمد الحاكي الولي الذي أوهمت الناس بأن المغارة الموجودة على سفح جبل الغور تضم أشلاءه و كراماته أنه يقضي حاجة كل زائر وهو في ضيق، وأن العين التي تنبع من رأس الجبل هي دموع زوجته أمونة السودانية والتي تقول أسطورة العالية بأنها مدفونة إلى جوار زوجها سيدي الفراش و بركتها تبريء المريض من الأسقام و تمنح العاقر الذرية و تهب النساء اللواتي تأخرن عن الزواج أزواجا و يرزق المعوز أموالا إذا تبرك بها . فصدقها س البلدة وثبّتت أسطورتها .بدعم من عساكر الاحتلال .
و للعالية رجال يسهرون على حماية سلطانها و يذيعون تنبؤاتها الوهمية بين عامة الناس . و أصبح الزوار يفدون عليها من كل الجهات و ازدادت ثراء. و مضت في شراء الذمم بتقديم المساعدات المادية للجميع مع توقيعهم لصكوك الدفع في حينها .و صاروا كالقطيع خلف سيدة البلدة المرأة الدجالة التي أسند ظهرها المحتل لتظل خرافتها جاثمة على عقول الناس .
مع ظهور العالية خرجت بلدة الغرافين من العزلة و اتسعت رقعة التجارة و تكاثرت الزراعة و كل ذلك يصب في خزينة فرنسا المنهكة بفعل الحرب . و خصصت العالية احتفالا موسميا كبيرا يحضره أعيان فرنسا و كل الوجهاء من كامل الجهات .و بكثرة الوافدين على البلدة انتشر الفساد و الأمراض الجنسية بوجود المومسات و العرافات و تضاعف عدد الخمارات بها ..
ت سيدة البلدة كما تلقب تكره من يقاسمها سلطانها . فقد ظهر في البلدة ثلاثة منشقين يسخرون من خرافتها و أباطيلها .قاسم ابن الراضي غربان أحد رجال العالية. تعلم على يد الراهبات و تشرب من مبادئ الحضارة الغربية المنفتحة . و ادريس السوسي الذي درس في لندن . و سي حمو درس في جامعة القرويين عالما فقيها هو الآخر ابن أحد رجال المرأة الدجالة يدعى سليمان الغاشي .
و مع هؤلاء المنشقين اليهودي زخارى بنخامان يصفه الروائي بأن شخصيته تختلف عن الصورة النمطية التي عرفت عن اليهود. فقد مغربي الروح و القلب يشارك أهل بلدة الغرافين مآسيهم و أفراحهم.و إذا ت زوجة زخارى اليهودية محافظة على تقاليد اليهود مع احترامها لتقاليد س بلدة العرافين فإن ابنتهما فاريديا فتاة متحررة تعيش خارج هذه التقاليد. اليهودي زخارى ناصرا و داعما للمنشقين في مسيرتهم التنويرية حافظا لأسرارهم .فتحسست العالية بأن هناك من يهدد عرش سلطانها ..
السر الذي لا يعرفه أهل بلدة الغرافين أن المغارة التي يتخذونها مزارة للتبرك فارغة .وأن محمد الحاكي أو سيدي الفراش كما يلقبونه مغربي جاهد من أجل الحرية .لاحقه المحتل فاختفى داخل المغارة و قبل نسفها من قبل العساكر غادرها مع زوجته أمونة السودانية و هي من السودان و ابنهما .
اتجهوا إلى السودان ورافقهم اثنان من البلدة شهدا موت ودفن سيدي الفراش هناك و عادا إلى البلدة . و اخفيا حقيقة موت سيدي الفراش لأنهما وجدا س البلدة تُبّعا لسلطة العالية في ضلالهم يعمهون خوفا من بطشها و عقاب المحتل .
الرجلان هما سليمان الغاشي والد سي حمو الفقيه المتمرد على سلطان الدجالة و الراضي غربان والد قاسم المثقف المتمرد الثاني على قوة العالية . المتمرد الثالث ادريس السوسي الابن الحقيقي لـ محمد الحاكي أي سيدي الفراش الذي خرج من صمته و أخبر رفقاءه اليهودي زخارى وقاسم و سي حمو بحقيقة والده الذي يوجد ضريحه بالسودان . و الضريح الذي ادعت العالية أنه موجود بالمغارة ما هو قصة وهمية نسجتها تلك المرأة الدجالة .أما أمه أمونة السودانية فهي امرأة عابدة زاهدة ماتزال على قيد الحياة تعيش بالسودان .
نسجت العالية بدعم من المحتل الفرنسي خرافتها لتضليل العقول , حتى لا يطالب أحدهم بالحرية و الانعتاق من كل أنواع الاستبداد التي يعيشها أهل البلدة . و صدقها الجميع فالعقل على حد تعبيرالروائي على ما اعتاد و استوعب بفعل التكرار .لذلك عملت فرنسا على ترسيخ الخرافة في أذهان العرب لتبعدهم عن دينهم و عقيدتهم ففرنسا تخشى أكثر ما تخشى عقلا في رأس يفكر و يسأل .
و مضى سي حمو العالم الفقيه في دعوته إلى تصحيح العقيدة و نشر الحقيقة بين الناس و اقناعهم بأنهم يعيشون وهم الخرافة . و قاسم مؤمنا بأن العقل هو المخرج الوحيد من الوهم .أما ادريس السوسي فكان يعتبر العقل و الإيمان معا بإمكانهما تحرير الأذهان و اعتاقها من أسطورة الأوهام و الخرافات .
اختار الروائي خالد أخازي أسلوب العرض التفصيلي بوقوفه على أدق الأحداث و لعله اختار ذلك لينقل للقارئ بأمانة الوقائع التاريخية التي جرت في احدى بلدات المغرب الأقصى أثناء الحرب العالمية الثانية , و نتائج هذه الحرب و أثر الاحتلال الفرنسي على نفوس و عقول س تلك البلدة
بلدة الغرافين هي نموج لصورة تكررت في كل بقعة عرفت الاحتلال الفرنسي. فهل رواية أسرار أمونة رواية تاريخية ؟أسرار أمونة رواية تاريخية حداثية للخيال دور في صياغة حواراتها و نسيج أحداثها المكثفة حدّ الاطناب الذي أثقل كاهل السرد و أخل بالنص إلى حد ما .
سقطت أسطورة العالية المرأة الدجالة و انكشفت أكذوبة الاحتلال و تحررت عقول أهل البلدة من الأوهام و الدجل و الخرافات التي صدقها هؤلاء سنين طويلة ..
الرواية تحكي هدف فرنسا من احتلال الأرض العربية بنشرها الخرافة . تسيطر على عقول شعوبها لتجردهم من هويتهم و عقيدتهم و تستحوذ على خيرات بلادهم .
لاينتصر أخازي للعقل وحده, فالغرب حسب تعبيره الذي يمجد العقل و أغنى الحضارة العالمية فكرا و أدبا و أنجب مفكرين و أدباء و شعراء عظماء هو نفسه الغرب الذي أنجب هتلر زعيم النازية و هو الغرب نفسه الذي صنع هيروشيما وناكازاكي .
العقل بحاجة إلى علم و العلم بحاجة إلى ضوابط قاعدية يسير عليها . في رواية أسرار أمونة يجد القاريء نفسه بين وجهين , وجه لحضارة منفتحة تقوم على عقل متحرر وبين حضارة راكدة تقوم على عقل منغلق خاضع للأوهام و الخرافات ..
 
خديجة مسروق / كاتبة من الجزائر