لم يأت الشاف عبد القادر بولغالغ من أي مقعد فارغ كرجل مدمن على المصادفات، بل استقام كزهرة تجيد الالتفات في طفولتها. فقد كان مولعا بالطبخ الذي اعتبره حلما منذ هواية ظل يتدرج في حروفها. يدخل المطبخ، يراقب ويتذوق ويجرب، ويمزج المواد والأطعمة، ويبحث عن أسرار تفاعلاتها، باحثا عن ذلك الانسجام البديع بين الطعم والرائحة، وبين الشكل والمحتوى.
ولما صار الحلم كبيرا، كان عليه أن يقف في بحر "الطبخ" على موجة عالية. لا تكفي الهواية، ولا يكفي التلصص على الأم أو الأخت، ولا يكفي اختلاس الدخول إلى المطبخ لتجريب هذه الوصفة أو تلك، ولا تكفي تلك الأهواء التي تتدلى من عنق "ما من شيء يمكن فعله".
هكذا، إذن، التحق الشاب عبد القادر بالمدرسة الفندقية بفاس في بداية الثمانينات إلى غاية التسعينات، حيث تابع تكوينه في تخصصات المطعمة والفندقة والمطبخ والتنشيط الثقافي وتقنيات التدبير الفندقي، وتدرج في الأقسام، وفي فن "الطعامة" العالمي، إلى أن تمكن من الحصول على المرتبة الأولى في المغرب في معرض للطبخ أقيم في مدينة الدار البيضاء.
ولأن الطموح لا يعني الانزواء في الفنادق، ولا الاطمئنان للانجازات الشخصية، كان لا بد من الميل نحو آفاق أخرى، لتعميق الاطلاع، ولقياس الذات مع ما يجعلها تشرق وترتفع. وهكذا انتقل في المرحلة الأولى إلى ألمانيا لمتابعة دراسته وتوسيع معارفه، ومنها إلى فرنسا ليستقر نهائيا في باريس، بعد أن داوم على الاشتغال في العديد من المطاعم والفنادق الفرنسية المصنفة لمدة تزيد عن الثلاثين عاما، راكم خلالها سمعة طيبة كطباخ مغربي من الطراز الرفيع، يقصده الراغبون في الأطباق التي تتميز بطعمها الاستثنائي.
يشتغل الشاف بلغالغ حاليا بمطعم "لابلاس" الموجود بـ Neuilly Sur Sein ، وهو واحد من أشهر المطاعم بعاصمة الأنوار بشارع سانت فوي، وهو معروف بلونه المخطط بالأبيض والأسود، كما يعرف بديكوره الرائع، خاصة إذا تمكنت من الحصول على طاولة في سطيحة المطعم (لاتيراس). ويقصده العديد من مشاهير العالم، فضلا عن زبائن أوفياء من كل الفئات المجتمع الباريسي، لتناول أطباق مذهلة أعدت من قبل طباخ يحب مهنته ومن أشهر تلك الأطباق، وجبة "كارباكسيو" (لحم البقر) وسمك السلمون الساشيمي يقدمان مع الأرز المقرمش؛ إضافة إلى الـ"تشيز كيك" والليمون واللؤلؤ الياباني وسلطة "المانجو والأناناس" .
للتذكير، فإن عبد القادر بولغالغ، لاعب سابق بفريق نهضة بركان وينتمي لأسرة رياضية بامتياز، أنجبت لاعبين متميزين، من بينهم عبد الوهاب اللاعب الذي قدم الكثير لكرة السلة وكرة القدم، وهو الأن ممثل الجامعة الملكية لكرة القدم بالمنطقة الشرقية.