بعد رفعه السقف الحقوقي عاليا.. لم يبق مجال لتلغيم الوجه الحقوقي للمغرب بمزاعم التعذيب

بعد رفعه السقف الحقوقي عاليا.. لم يبق مجال لتلغيم الوجه الحقوقي للمغرب بمزاعم التعذيب يتم تلغيم  الوجه الحقوقي للمغرب بتقارير مستنسخة من التقارير القديمة إرضاء لجهات مأجورة ما
دأبت بعض المنظمات الحقوقية الدولية، وعلى رأسها «هيومن رايتس ووتش» و«أمنستي»، على تصوير المغرب كأنه غرفة تعذيب واسعة بسراديب متعددة كلها تفضي إلى الجحيم. وتدعم هذه المنظمات تقاريرها، في كل الأحوال، بشهادات مكررة لبضعة أفراد  يعرف الجميع أن لهم «ثأرا قديما» يستخدمونه من أجل إركاع الدولة التي قهرهم خلال سنوات الرصاص. إنهم حقوقيو «الذاكرة المجروحة» الذين لم تغادرهم تجربة سجون سنوات الرصاص.
وتصر تلك التقارير على النظر إلى الوراء، أي إلى تلك اللحظة التاريخية التي اختارت فيها الدولة الملسوعة بمحاولتين انقلابيتين أن تواجه المعارضة اليسارية، ليس بـ «الخيار الديمقراطي التوافقي»، بل بوضع «اليسار» في المعتقلات السرية ومراكز الاحتجاز الرهيبة، وابتداع أشكال متعددة من التعذيب، بما يتنافى مع المقتضيات القانونية والتنظيمية للسجون، وكذا مع المعايير الدولية التي تجرم التعذيب.
لقد كان التعذيب، في تلك اللحظة، نهجا منظما غير قابل للدحض، وهو ما حملته مجموعة من  جلسات الاستماع العلنية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التي بثها كل من التلفزيون والإذاعة في المغرب، والتي وقعت في سجون المغرب العلنية والسرية، خلال مرحلة الصراع بين السلطة المركزية ورموز الحركة الوطنية واليسار الجذري والديمقراطي، على حد سواء. وكانت تلك الجلسات، بحق، خطوة جريئة وغير مسبوقة للإقرار والاعتراف الرسمي بتلك الانتهاكات الحقوقية، بل كانت إعلانا صريحا عن إرادة مؤسسية لطي صفحة الماضي، والدخول في لحظة الانتقال الديمقراطي. وليس هذا فحسب، فقد اختار المغرب أن يحدث هيأة للمصالحة والإنصاف، كآلية استشارية مدنية لدعم مسار الانفراج الحقوقي، كما أحدث مندوبية وزارية لحقوق الإنسان ومجلسا وطنيا لحقوق الإنسان، فضلا عن انخراطة الكبير في المسار الأممي لمكافحة التعذيب والتصظيق على المعاهدات الدولية ذات الصلة. 
فلم يأل المغرب جهدا لطي الصفحة من أجل تحقيق مصالحة وطنية تامة، من أجل توفير ترسانة قانونية مهمة للتدخل بكل احترافية أجل تجاوز منطقة الالتباس على المستوى الحقوقي، حيث تحول «تجريم التعذيب» إلى مقتضى دستوري، من خلال الفصل 22 من دستور 2011 الذي يجرم بشكل صريح جميع انتهاكات حقوق الإنسان بما فيها التعذيب، وكذا تعريف جريمة التعذيب في الفصل 231-1 من القانون الجنائي المغربي، والذي يضمن للضحية عدة ضمانات خلال مرحلة البحث ومرحلة التحقيق وخلال المحاكمة أيضا، كما يقضي ببطلان أي اعترافات انتزعت تحت التعذيب، بل يخول للضحية الحق في المطالبة بجبر الضرر.
وبالإضافة إلى كل ذلك، قام المغرب بإرساء آلية للوقاية من التعذيب، وفق ما ينص عليه البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، ومن أهم اختصاصاتها القيام بزيارات غير معلنة ومفاجئة لجميع أماكن الحرمان من الحرية ومنشآتها ومرافقها، وهو ما من شأنه أن يردع الانتهاكات المحتملة، خاصة أن الدولة متعهدة بموجب مقتضيات البروتوكول أن تتيح للآلية «الحصول على جميع المعلومات المتعلقة بعدد الأشخاص المحرومين من حريتهم الموجودين في أماكن الاحتجاز»، وعلى «جميع المعلومات التي تشير إلى معاملة هؤلاء الأشخاص فضلا عن ظروف احتجازهم.» كما تتمتع «الآلية الوطنية» بحرية اختيار الأماكن التي تريد زيارتها والأشخاص الذين تريد مقابلتهم. ومما يزيد من فعالية عمل الآلية، الحصانة التي تمنحها مقتضيات البروتوكول الاختياري لأي شخص أو منظمة تقوم «بتبليغ الآلية الوقائية الوطنية بأي معلومات، صحيحة كانت أم خاطئة» ضد أي عقوبة أو انتقام والتزام الآلية بالاحترام التام لسرية المعلومات التي تجمعها وحقها في إجراء اتصالات مع اللجنة الفرعية لمنع التعذيب التابعة للأمم المتحدة وموافاتها بمعلومات والاجتماع بها. 
ولتعزيز قدرات هذه الآلية، وقع المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرة تفاهم مع المعهد الدانمركي لمناهضة التعذيب بخصوص إقامة تعاون فني في رصد الجوانب المتعلقة بالصحة في السجون بهدف تعزيز قدرات أعضاء الآلية الوطنية لمنع التعذيب في المغرب، وموظفي هذه الآلية، والخبراء والأطباء الشرعيين. كما أطلقت رئاسة النيابة العامة دليلا استرشاديا حول «مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة»، وهو دليل موجه للقضاة ولمختلف الفاعلين في مجال العدالة، بهدف توفير المعلومات الحقوقية والقانونية المتعلقة بمكافحة التعذيب، وتوضيح الإجراءات التي يتم اتباعها للبحث في ادعاءات التعذيب.
فلماذا، إذن، مع كل هذه الإجراءات الكبيرة والجبارة التي قام بها المغرب، والتي تصب في منع التعذيب وتجريمه، تصر تلك المنظمات الدولية على القفز على التقارير الحقوقية الوطنية، بما فيها تقارير جمعيات مدنية مستقلة أو مؤسسات دستورية «مؤسسة الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان» المجلس الوطني لحقوق الإنسان «المنظمة المغربية لحقوق الإنسان..» تؤسس عملها على الزيارات الميدانية واللقاءات المباشرة مع الضحايا المفترضين، وليس على «القيل والقال» التي تستقبلها من أفواه الأشخاص أنفسهم في كل المرات والمناسبات؟ لماذا دائما تصر «أمنيستي» و«هيومن رايتس ووتش» والجمعيات التي تدور في فلك النيل من سمعة المغرب، على اتهام السلطات المغربية بـ «التقاعس» عن إجراء «تحقيقات كافية» في مزاعم تعذيب سجناء أو محتجزين وترهيبهم، أو غير ذلك من ضروب المعاملات المسيئة لفنانين ومدونين وفنانين ونشطاء؟ لماذا تلح تلك المنظمات على أن التعذيب في المغرب ممارسة أمنية ممنهجة ومنظمة، رغم أن الدولة تنقي وجود أي تراجع في البلاد على المستوى الحقوقي وحرية التعبير، وآلية التوقيف والاعتقال والتحقيق والمحاكمة؟ لماذا هذا الإلحاح على الاستمرار في التلفيق رغم أن المغرب أطلق في مارس 2014، رفقة الشيلي والدانمارك وغانا وإندونيسيا وجزر فيجي، مبادرة لتوسيع دعم التصديق على اتفاقية مناهضة التعذيب وتنفيذها بهدف بلوغ تصديق عالمي شامل لهذه الاتفاقية بحلول سنة 2024؟
لقد أنهى المغرب منذ زمان علاقته مع «السراديب» و«الدجاجة المشوية» و«حشر الرأس في برميل الماء الوسخ» و«الطيارة» و«الإحراق الكهربائي» و«كيس القطط الجائعة»، وكل الأشكال التي تتخذ من الايذاء الجسدي والتعذيب اللفظي وسوء المعاملة أسلوبا للاستنطاق وانتزاع المعلومات؛ وهي الأشكال التي كانت رائجة في عهد أوفقير وإدريس البصري والدليمي  وقدور والكوميسير الخلطي.  أما الآن، فإن الدولة تحاول بكل الطرق إقبار وحشية صورتها القديمة في الذاكرة الجماعية، فضلا عن محاولاتها الحثيثة من أجل خلق نموذج حقوقي دال، وإلا ما أن تبادر المديرية العامة للأمن الوطني والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في شتنبر 2022، إلى تنظيم ندوة دولية حول «معايير وممارسات منع التعذيب»؛ وهي الندوة التي حضرها خبراء وطنيون ودوليون، وسعت إلى مناقشة الممارسات الجيدة في تنفيذ الضمانات القانونية والإجرائية الفعالة للوقاية من التعذيب وغيره من ضروب العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة التي قد ترتكب أثناء الإيقاق والاستماع والحراسة النظرية. كما سعت إلى تمتين ودعم وسائل النزاهة والتخليق، وعصرنة هياكل ومناهج عمل الأمن الوطني ودعم قدرات موظفيه وربط المسؤولية بالمحاسبة وتجويد التكوين الأساسي والمستمر والتخصصي.
إن قصة حالات التعذيب هنا وهناك هي بالفعل قصة كل الأجهزة الأمنية في العالم، وما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان وروسيا، إلا دلائل ساطعة على «العنف البشري» الذي لا يمكن بأي حال أن ننسبه إلى «سياسة عمومية للتعذيب»، ولا يمكن إدراجه في خانة «الشكل الممنهج» أو «الآلة المنظمة»، بل هو  «جرعة زائدة» من بعض أعوان القوة العمومية في أسلوب التعامل الأمني مع المتهمين أو المعتقلين، دون أي الارتباط بأي «قاعدة متفق عليها».  قد تقع تجاوزات، وهي بالفعل تقع وليس هناك أي سبيل إلى إنكار ذلك، لكن السقف الحقوقي والقانوني و الأخلاقي ارتفع جدا، ولم يعد هناك أي مبرر لتلغيم  الوجه الحقوقي للمغرب لتقارير يتم استنساخا من التقارير القديمة، إرضاء لجهات مأجورة ما.