محمد الشرفاوي: رحلة ذهاب بدون إياب أو رحلة الطرد التعسفي لمغاربة من الجزائر

محمد الشرفاوي: رحلة ذهاب بدون إياب أو رحلة الطرد التعسفي لمغاربة من الجزائر محمد الشرفاوي وغلاف الكتاب
حلت هذه السنة الذكرى 47 لماسات الترحيل التعسفي الذي مس الاف المغاربة المقيمين بالجزائر(18 ديسمبر 1975)، ومازالت عائلة المطرودين تطالب بحقوقها من خلال "التجمع الدولي لدعم العائلات ذات الأصل المغربي المطرودة من الجزائر" سواء المطالبة بالاعتراف بهذه الماسات واسترجاع الحقوق. محمد الشرفاوي يحكي في كتابه "رحلة ذهاب بدون إياب" انطلاقا من مسار عائلته ونجد في هذا النص تفاصيل هذه الماسات، والذي صدر بالفرنسية تحت عنوان "المسيرة السوداء «وحاورت جريدة الاتحاد الكاتب اثناء صدوره، واليوم تتوفر النسخة العربية بدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج.

" بمجرد ما استعادت الام قواها، اتخذت قراراها الحازم: سنرحل من هنا. أنه من المستحيل عليها المكوث في بلاد تعامل بإدلال من هذا القبيل من حاربوا ببسالة في صفوف الجزائريين لنيل استقلالهم، من أفنوا حياتهم ...اولئك الذين يعتبرون الجزائر بلجا شقيقا" كان هذا رد فعل عائشة بعد اقتياد جد العائلة من طرف جيش بومدين من اجل ترحيلهم نحو الحدود المغربية. قصة عيسى شاب مغربي واسرته التي تعرضت لطرد مثل عشرات الاف من الاسر المغربية سنة 1975 انتقاما من تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء واسترجاع أراضيها المحتلة من طرف اسبانيا. كان المغاربة ينتظرون مساندة نظام الجزائر لهم في هذه المعركة كما ساندو الجرائر اثناء حرب التحرير بالغالي والنفيس، بل ان عدد كبيرا من المغاربة استشهدوا هم أيضا من اجل حرية هذا البلد، لكن استرجاع المغرب لصحرائه، هو امر لم يستقبل بشكل إيجابي لدى قيادة الجارة الشرقية، وقررت ان تشن حرب استنزاف ضد المغرب مند 1975 وحتى اليوم من خلال تشجيع ودعم حركة مسلحة فوق أراضيها".
 
هذا الكتاب لمحمد الشرفاوي يحكي رحلة عذاب حقيقية أو رحلة ذهاب بدون إياب كما يقول عنوان الكتاب الذي يحكي تفاصيل هذه الماسات التي مست الاف الاسر المغربية، التي تعرضت للحكرة والطرد من جانب نظام عسكري كان دائما يدعي وقوفه الى جانب المضطهدين، والذي ارتكب جريمة في حق هؤلاء المغاربة القاطنين بالجزائر، هذا الخرق للحقوق وتهجير السكان بالقوة هي تجاوزات لم ترتكبها إلا أنظمة معدودة في العالم.
 
هذا الكاب السيرة صدر أصلا باللغة الفرنسية تحت عنوان "المسيرة الكحلة " La marche Noir
وتمت ترجمته بدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج، ويقول رئيسه ادريس اليزمي في تقديمه لهذا النص الذي يحكي السيرة الذاتية لمحمد الشرفاوي " " يبسط في فصولها جوانب من المعاناة والماسي التي عاشها وتعايش معها المغاربة المطرودين من الجزائر، إثر قرار سلطات الجارة الشرقية أواخر عام 1975 بترحيل الاف الاسر المغربية نحو منطقة جوز بغال الحدودي." وأضاف الكاتب ان هذا العمل " شهادة أخرى تنضاف إلى شهادات ضحايا اخرين، تستعيد شريط المعاناة وسوء المعاملة والالام التي عاشها وتقاسمها عيسى مع باقي الأسر التي بين عشية وضحاها أصبحت بدون مأوى، محرومة من ممتلكاتها وتاريخها ومتجهة نحو المجهول ...." وتساءل ادريس اليازمي في تقديمه عن الصمت، عن هذه الماسات داخل هذه الأسر المغربية وهذه الدراما التي تسبب فيها نظام لا يأبه لا للقيم الإنسانية او الدينية التي تجمع البلدين.
 
محمد الشرفاوي يجيب عن أسباب هذا الصمت داخل هذه الأسر المغربية التي تعرضت لطرد التعسفي بالقول " بانه كان يفتقد الكلمات اللازمة الى غاية رحيل والدته سنة 2005، ليبوح بما جرى ويحكي قصته، التي بدأها بميلاده في فصلها الأول "الأمير". وهو العنوان الذي اختاره الى هذا الفصل من حياته وازدياده بمدينة وهران وليختم الكتاب بفصل ما قبل الأخير "عاريا سوف ترحل"، هو حكي لمسار مأساوي ولهذه التحول الجدري في مسار هذه العائلات، التي ستجد نفسها بالبلد الأصلي الذي لا تعرفه رغم حضن العائلة وكرم التضامن، وكيف ان بعض العائلات ستكون مجبرة على هذا الوضع، وهذا المسار الجديد، مجردة من كل أموالها وممتلكاتها التي سرقت من طرف النظام الذي اختار الانتقام منهم، خاصة ان اغلبهم شاركوا في حرب التحرير التي عرفتها الجزائر.
 
يتضمن هذا الكتاب الصادر عن دار النشر ملتقى الطرق 16 فصلا يحكي من خلالها محمد الشرفاوي في هذه السيرة الذاتية هذه الماسات التي ضربت أسرته وكذلك الاف من الاسر المغربية التي كانت تقطن الجرائر قبل ان تحقق هذه الأخيرة استقلالها.
 
في هذه السيرة، يحكي البطل أهمية كلمة الانقلاب في حياة البطل الدرامي عيسى "الذي انقلبت حياته بشكل مأساوي، حياة عائلة سيعدة، نجاح مدرسي، اندماج في الحي وحياة عاطفية لينقلب كل ذلك، ليتحول الى ماسات، انقلبت الحياة، الطرد الإهانة، يساق كماشية، ويطلب منه خيانة عائلته وجيرانه وحمل جنسية الجلاد، وكيف عومل جده وابوه اللذان وعائلتهم كان يعتقدون أنهم محميون في بلد الانقلابات في كل شيء، بفضل مشاركتهم وتقديمهم لشهداء في حرب تحرير أرض الجزائر من المستعمر."
 
هذا الكتاب لمجمد الشرفاوي هو من اجل بناء الذاكرة، ذاكرة الالاف من العائلات التي تم ترحيلها قصرا من الجزائر. ويعد مساهمة مهمة في توثيق هذه الاحداث وتوثيق وإعادة الاعتبار لكرامة الاف الأشخاص، والانصاف وعدم التكرار ومحاربة النسيان. عسى ان تكون لبنة "رحلة ذهاب بدون إياب" لبنة في مجهود علمي يتوخى توثيق معانة العائلات المغربية المطرودة من الجزائر، وتجديد الخطاب حولها، باعتبارها إحدى الانتهاكات لحقوق إلا نسان التي تستوجب الترافع حولها في كل المحافل وطنيا، جهويا ودوليا. " يقول ادريس اليزمي في تقديمه لهذا العمل.
 
هذا السرد يحكي عن العديد من المواقف التي تميزت بها هذه الأسر المغربية خاصة مواقفها الوطنية ودعمها للوحدة الترابية للمملكة، وهو ما جعلت النظام الجزائري ينتقم منهم. عدد كبير من اللاجئين المغاربة اثناء سنوات الرصاص والذين كانوا يقيمون في الجزائر اضطروا الى مغادرتها بعد تنظيم المسيرة الخضراء، نظرا لموقفهم الوحدوي ودعمهم لتوابث الوطنية وهو سلوك لم يفهمه نظام بومدين، وهو ما يفسر طرده التعسفي والانتقام لهذه الأسر.
 
يحكي المؤلف، انه بعد فتح باب التطوع للمسيرة الخضراء، فان أحد اخوته قدم طلب للحصول على جواز سفر مغربي وأراد الالتحاق والمشاركة في المسيرة رغم عدم بلوغه سن الرشد. "أسر عيسى لنفسه بأن لا مجال للاندهاش من قرار الأخ الأصغر، فهذا الشبل من ذاك الأسد، هل تلكأ جده في اتخاد القرار قبل ان يقدم على الانخراط في كفاح الجزائر لنيل الاستقلال، ويصبح مسؤولا عن احدى شبكات جبهة التحرير في وهران؟ ويجب الإقرار عند هذا المقام بأن التطوع "للكفاح" وراثي لدى  الشرفاوي...وإلا حاجز كان سيحول بين عبد المالك وبين مشاركة المغاربة مسيرتهم السلمية لتحرير الصحراء...".
 
النظام الانقلابي بالجزائر بزعامة بومدين، لم يغفر لهؤلاء المغاربة المقيمين تشبتهم بمغربتيهم وبوحدة بلادهم، وهو ما دفعه إلى الانتقام منهم بأبشع الطرق وحرمانهم من كل حقوقهم وممتلكاتهم وسرقة كل متاعهم حتى أبسط الأشياء كملابسهم وحاجياتهم الخاصة.
 
في هذا النص توفق محمد الشرفاوي في وصف هذه المأساة الإنسانية بشكل موضوعي، ودون حقد على الجلادين، وكيف تحول هذا الحلم، وهذا البلد الامن الى جحيم، هذا الجحيم الذي لم يفلت منه أبناء الجزائر أنفسهم خلال العشرية السوداء، حيث أحرقت الحرب الاهلية جزء كبير من مثقفي وفناني وابرياء هذا البلد في حرب لا أحد كان يعرف الهوية الحقيقية للقاتل.
 
هذا التهجير القصري والتعسفي لهؤلاء المغاربة كان من طرف نظام لا قيم ولا مبادئ له، تجاه أناس كان لهم مكانة خاصة لدى الجزائريين وكانوا يسمونهم" الاخوة"، حيث تقاسموا معهم كل شيء في السراء والضراء خاصة اثناء تحرير البلد من الاحتلال، لكن النظام الانقلابي، انقلب على كل شيء، حتى على أبناء الثورة و القيادة التاريخية التي حررت الجزائر.
 
الشرفاوي من خلال شهادته يتحدث عن مسار اسرته، والاسر المغربية التي كانت تستقر بالجزائر وهؤلاء الأطفال والشباب الذين ازدادوا بها ولم يكن اغلبيتهم تعرف البلد الأصلي، لتتعرض الى ماسات والى "رحلة ذهاب بدون إياب" والى طرد تعسفي بدون أسباب وجيهة ، اللهم الانتقام من وطنية هؤلاء الشرفاء الذين اختاروا الوفاء لبلدهم ولأصلهم ولقيمهم التي استفادت منها الجزائر نفسها من خلال مشاركتهم في تحرير هذا البلد.
 
لكن سلوك النكران والانقلاب أصبحت هي أيديولوجية من استولوا على مقاليد السلطة بالبلد الجار، حيث اكلت تورة تحرير الجزائر حتى جزء كبير من أبنائها ومنهم عشرات الالف من الأسر المغربية التي كانت مقيمة بهذا البلد.