قطعن آلاف الأميال ليساندن أبناءهن في نزالهم العالمي ضد أقوى منتخبات كرة القدم. بحضورهن الزاهر كان اللاعبون المغاربة يضيئون على العشب، فيتشابكون كالأطواد والجلاميد مع الخصوم. ولهذا استحق الاستقبال الملكي والشعبي للاعبين المتألقين، مساء يوم الثلاثاء 20 دجنبر2022، أن ينعت بـ"تكريم الأرحام".
رأينا كل لاعب يتأبط ذراع والدته في منظر مثير للفخر والاعتزاز بالأمومة المغربية التي أبهرت العالم. الأمومة التي رقصت في الملاعب، وفاض دمعها رقراقا في مسارب الفرح الذي صنعه الأسود. الأمومة التي بيّنت أن انتصارنا حديقة متشابكة، وأن بوسع حرارتها أن تترك العالم يرتجف.
استقبل الملك محمد السادس لاعبي المنتخب ومدربهم، ووشحهم بأوسمة ملكية، لكنه كان يدرك أن الوسام الأكبر هو "تكريم أجمل الأمهات" عبأن زغاريدهن حتى لا تتسلل إلى قلوب أبنائهن أي لحظة انكسار. أطلقن دموعهن أمام العالم، في مهمة ثورية أسمى من أن يفهمها الآخرون الغارقون في انغلاقهم الثقافي وشذوذهم الحضاري. كن يشجعن أبناءهن لينظفن العزائم من التراخي والتضغضع، ولم يغادرن على عجل حتى في أشرس المواجهات، لأنهن يعرفن أن حبهن ترس يحمي الأسود، ويرجع إليها زئيرها.
لقد لاحظنا انبساط الأمهات في حضرة الملك محمد السادس. يتحدثن بعفوية وطلاقة بدون أي مركب نقص. فعلن ذلك أمام كاميرات العالم، وفعلنه أمام الكاميرات التي نقلت حفل الاستقبال الملكي، وكم كانت كل أم تزداد ثباتا عندما ترى أن النساء المغربيات كلهن تزغردن، كل واحدة من بيتها من أجل هذه اللحظة الاستثنائية، تعبيرا عن قوة لا تنقطع، وإنجاز غير مسبوق قد تجود به أرحام الأمهات.
لقد احتفلت الأمهات المغربيات مع اللاعبين خلال المباريات التي فازوا بها في كأس العالم، في لحظة "عناق" و"رقص" انبهر لها العالم، إلى حد أن صحيفة "التايمز" علقت على الأمر بقولها إن "كأس العالم في قطر لديه شاعرية لا مفر منها. فإذا كان لدى أدإيسلندا صوت الرعد، فالمغرب لديه الأمهات". وأضافت أن "الذاكرة الحية لمباريات كأس العالم، ستظل هي الكيفية التي احتفل فيها اللاعبون المغاربة بانتصاراتهم. مشاهد حية ومثيرة مثل والدة الركراكي، فاطمة التي عانقت ابنها، الذي بحث عنها بين الجماهير بعد الفوز على البرتغال، وكذا فعل اللاعبون وعانقوا والديهم، مثلما فعلت أم أشرف حكيمي حين سجل ركلة الجزاء ضد إسبانيا. كما أحضر سفيان بوفال، لاعب ساوثمبتون، والدته إلى الملعب، ورقصا وكأنهما في حفلة عرس، ولم يهتما بما فكر به الناس، بل الأهم الاحتفال باللحظة التاريخية".
لقد أكدت الأمهات أن عشق أبنائهم لبلدهم الأصل هو جزء رئيسي في انتصارهن على الحياة، وأنهن تلك الطاقة المخزونة التي لا تعترف بالخطط والتاكتيكات الميدانية. إنها طاقة "حب الأمهات وحب الوطن".