معظم أصدقائي من دول الخليج أو الشرق الأوسط كان لديهم سؤال واحد مقلق وهم يباركون لي وللمغاربة ملحمة أسود الأطلس في مونديال قطر: ما سر هذا الاستثناء المغربي الذي صنع الأمجاد في كأس العالم، والذي فشلت فيه دول عدة من إفريقيا والعالم العربي؟
لم أكن "أتفلسف معهم" في الرد، بالنظر إلى أن سؤالهم يحمل في طياته الإجابة وأقول لهم: إنه فعلا الاستثناء المغربي، الذي لا يشمل فقط مجال كرة القدم.
كيف لبلد ليست له الإمكانات المادية واللوجيستيكية والمؤسساتية والإشهارية لتسخيرها في "صناعة نخبة رياضية" مقارنة مع دول أخرى، ومع ذلك ظل المغرب يصنع الاستثناء في المنتديات الرياضية العالمية والقارية بحضوره المشرف والوازن، إلى أن توج ذلك بالأداء المشع والرائع لأسود الأطلس في مونديال قطر، بشكل جعل صورة المغرب تزداد بهاء على المستوى العالمي.
وهذا الاستثناء ليس لصيقا بمجال كرة القدم فحسب، بل يطال مختلف المناحي والحقول.
كيف لبلد عديم الإمكانيات المادية وناتجه الداخلي الخام لا يمكن أن يقارن بناتج دول عظمى، ومع ذلك شكل المغرب استثناء في العالم أثناء جائحة كورونا، بتمكن المغرب من الخروج بأقل الخسائر في فترة الوباء بإحداث مونطاج مالي ومؤسساتي بخلق صندوق لتدبير فترة الحجر الصحي من جهة وكان المغرب ضمن الدول العشر في العالم التي وفرت اللقاح لسكانها من جهة ثانية.
كيف لبلد لا يتوفر على أقمار صناعية مبثوثة في كل زوايا الكون ولا يتوفر على الموارد المادية الضخمة مثلما تتوفر عليه مخابرات القوى الكبرى، ومع ذلك شكل المغرب الاستثناء في العالم بتمكنه من بناء جهاز مخابرات قوي بحرفيته ومهنيته بشكل تحول معها المغرب إلى مزار تخطب وده كل الأجهزة الاستخباراتية العالمية تعلق الأمر بأمريكا أو بريطانيا او ألمانيا أو فرنسا او هولندا أو روسيا أو إسبانيا وباقي دول المعمور.
كيف لبلد لا يؤهله وضعه الاقتصادي والمالي أن يبني جيشا منظما ومهنيا ومهابا، ومع ذلك شكل المغرب استثناء في العالم، لدرجة أنه يندر أن تجد بؤرة من بؤر التوتر بالكرة الأرضية بدون أن يكون المغرب حاضرا فيها، لدرجة أن الأمم المتحدة صنفت القوات المسلحة الملكية في المرتبة 14 عالميا من أصل 115 بلدا في قوائم حفظ السلام.
كيف لبلد ليس له خزائن قارون لتمويل عمليات مكافحة الإرهاب وتجفيف خلايا التطرف مقارنة مع باقي دول المعمور، ومع ذلك شكل المغرب استثناء بالمناداة عليه لرئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب مرات متتالية، لا بل كان المغرب هو البلد الوحيد في العالم (نعم البلد الوحيد)، الذي تمت المناداة عليه لعرض تجربته داخل أروقة مجلس الأمن الدولي.
كيف لبلد ليس له نفط ولا غاز ولا مناجم ذهب أن تستقطب معاهده ومدارسه العسكرية والأمنية 5000 ضابط عسكري وأمني من مختلف دول القارة الإفريقية. إنه المغرب الذي يشكل الاستثناء، والذي لم يستقطب فقط الأطر العسكرية والأمنية الأجنبية للتكوين بمعاهدنا ومدارسنا، بل وتحول إلى قطب جذب ل25 ألف طالب إفريقي اختاروا التكوين بكليات ومعاهد الجامعات المغربية.
كيف لبلدان تتوفر لها جاليات مهمة من الناحية الديغرافية ومنتشرة في معظم البلدان ومع ذلك قطعت "حبل السرة" بينها وبين أوطانها الأصلية، إلا بلد واحد اسمه المغرب والذي شكل الاستثناء، لدرجة أن ولاء مغاربة العالم لوطنهم لا ينحصر في الجيل الأول أو الثاني بل هو ولاء مقدس لدى الجيل الثالث والرابع الذي رغم ولادته ونشأته في دول المهجر ظل وفيا لبلد "منبت الأحرار .. مشرق الأنوار"، بدليل ما نعاينه في تشكيلة أسود الأطلس بالمونديال وما فجرته السيول الجارفة لمغاربة العالم التي فاضت بها المدن في دول المعمور بمناسبة فوز المنتخب الوطني.