اليزمي في البرلمان: 180 مليار لتعويض 26063 من ضحايا الرصاص

اليزمي في البرلمان: 180 مليار لتعويض 26063 من ضحايا الرصاص

في سابقة هي الأولى من نوعها منذ إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قدم إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عرضا أمام البرلمان بغرفتيه يوم الإثنين 16 يونيو2014، إذ استهل رئيس المجلس تدخله بالتأكيد على المرجعية القانونية التي تؤطر هذه العملية، ولاسيما الدستور ومبادئ باريس للمؤسسات الوطني لحقوق الإنسان ومبادئ بلغراد حول العلاقة بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان و البرلمانات.

وجاء تشديد رئيس المجلس على التذكير بهذه المرجعية بالنظر إلى أن هذا التدخل، الذي جاء بطلب من البرلمان بغرفتيه، هو الأول من نوعه منذ إحداث المجلس، ولذلك فهو يكتسى أهمية دستورية وسياسية.

قدم رئيس المجلس، في بداية خطابه، ملخصا للتدابير المتخذة لمتابعة تسوية ملفات ماضي الانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان، على اعتبار أن المجلس ورث هذه المهمة عن هيئة الإنصاف والمصالحة. وفي هذا الإطار، أوضح أنه تم تعويض 26063 من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الماضي وذوي حقوقهم، بغلاف مالي وصل إلى 1.804.702.899.80 درهم إلى غاية 31 دجنبر 2013، ضمنهم:

- 5027 من الضحايا المنحدرين من الأقاليم الجنوبية للمملكة بمبلغ مالي إجمالي مقدر ب 618.529.270.00 درهم؛

- الضحايا من المدنيين الذين تعرضوا للاختطاف واحتجزوا لدى البوليساريو، ويبلغ عددهم 217 بمبلغ مالي إجمالي مقدر ب 85.234.375.00 درهم؛

- كما استفاد الضحايا من الإدماج الاجتماعي وتسوية الأوضاع الإدارية والمالية والتغطية الصحية، إضافة إلى جبر الضرر الجماعي الذي يشكل إلى جانب الاجتهادات في مجالي الذاكرة والنوع الاجتماعي، الإسهام الخاص والمتميز لتجربة العدالة الانتقالية المغربية.

كما أكد رئيس المجلس على الدور المحوري الذي لعبته هذه التجربة في توطيد المسار الديمقراطي ببلادنا والدور الملهم الذي تلعبه أيضا بالنسبة للعديد من الدول بالمنطقة، المقبلة على نفس المسارات.

ونبه الرئيس إلى ضرورة مواصلة الجهد لاستجلاء الحقيقة في بعض الملفات العالقة المرتبطة بالاختفاء القسري ومن أبرزها ملف المهدي بنبركة. وإلى تفعيل بعض التوصيات المركزية المؤسساتية كالانضمام إلى نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية وإلغاء عقوبة الإعدام وتلك المتعلقة بالإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإفلات من العقاب وترشيد الحكامة الأمنية.

وذكر رئيس المجلس كذلك بمختلف الدراسات والتقارير، التي أصدرتها مؤسسته، حول وضعية حقوق الإنسان وبعض فئات المجتمع، مثل:

- تقرير المجلس حول مستشفيات الأمراض العقلية؛

- تقرير المجلس حول المؤسسات السجنية،

- تقرير المجلس حول مراكز حماية الطفولة.

وقد سجل المجلس في أغلب هذه الحالات تقادم الإطار القانوني وتعدد الخروقات التي تطال مقتضيات القوانين المنظمة لهذه الأماكن رغم كونها أصبحت متجاوزا.

ولم يفت الرئيس الحديث عن الهجرة، التي اعتبرها  واحدة من التحديات وإن كانت، في نفس الوقت، أحد عوامل إغناء البلاد. وأكد على ضرورة هيكلة تدخلات السلطات العمومية في هذه المجالات، في صيغة تصور شامل ومُتكيِّف مع الواقع الجديد، يحترم المقتضيات الدستورية في مجال حقوق الإنسان وحقوق الأجانب، والالتزامات الدولية للمغرب المتعلقة بحقوق الإنسان عامة وتلك المتعلقة بحماية العمال المهاجرين وأفراد أسرهم وباللاجئين.

وقدم رئيس المجلس، توضيحات حول مجمل الأحداث الاجتماعية التي عرفها المغرب، خلال الفترة الممتدة من فاتح مارس 2011 إلى متم شهر دجنبر 2013، بكل من خريبكة وبوعرفة وآسفي والحي الجامعي السويسي بالرباط والداخلة وبني بوعياش ودواري الشليحات والسحيسحات بالعرائش وبني مكادة والسجن المحلي بسلا وبوجدور والسمارة والعيون ومتابعة محاكمة معتقلى أحداث الداخلة ومحاكمة المتابعين، في إطار أحداث اكديم إزيك أمام المحكمة العسكرية الدائمة بالرباط.

وسجل المجلس، حسب السيد إدرسي اليزمي، في عدد من هذه الحالات، أن غياب أو ضعف تواصل السلطات العمومية بخصوص تدبير الأحداث، شكلا عاملا أساسيا في تطورها، خاصة انتشار الإشاعات التي تُتَداوَل فيها حالات وفيات غير صحيحة أو غير مؤكدة. علاوة على مشكل عدم التناسب في استعمال القوة في أغلب الحالات الملاحَظةِ، بالإضافة إلى حالات اعتقال مدافعين ومدافعات عن حقوق الإنسان في سياق التظاهر السلمي وغير العنيف.

واعتبر المجلس الوطني هذه المعطيات بمثابة مشاكل بنيوية تكمن بداية حلها في تحديد المبادئ القانونية العامة لتأطير استعمال القوة من قِبَل الأعوان المكلفين بإنفاذ القانون، وكذا تقوية الإطار القانوني لحماية المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، طبقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة. ومن الحالات التي يتعين القطع معها، تلك المتعلقة بحالات انتهاك حرمة المنازل في سياق تدبير التظاهر بشكل مخالف للقانون، والمس بالسلامة البدنية للمتظاهرين خارج الإطار القانوني والمتناسب لاستعمال القوة. 

ويرى المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن التداول في هذه التحديات جميعها يقتضي تنظيم مناظرة وطنية كمقدمة لحوار عمومي مسؤول، يجمع كافة الأطراف المعنية. وفي هذا السياق سجل المجلس، بناء على ما توصل به من معطيات من وزارة الداخلية، أن سنة 2011 شهدت تنظيم 23121 تجمعا ومظاهرة (ضمنها 1683 بالجهات الجنوبية الثلاث للمملكة أي بنسبة 7,27 %) و20040 تجمعا ومظاهرة سنة 2012 (ضمنها 935 في الجهات الجنوبية الثلاث للمملكة أي بنسبة 4.66 %) و16096 تجمعا ومظاهرة سنة 2013 (ضمنها 825 في الجهات الجنوبية الثلاث للمملكة أي بنسبة 5.12 %)، غطت مجموع التراب الوطني على الرغم من عدم استيفاء أغلب التجمعات للشروط القانونية، وفق إفادات وزارة الداخلية. لكنها حافظت، على العموم، على طابعها السلمي ولم تشهد عنفا إلا في حالات محدودة جدا.

أما في مجال معالجة ادعاءات التعرض للتعذيب، فقد وقف المجلس على عدد من العوائق البنيوية، التي تحول دون الوصول إلى القضاء النهائي على التعذيب، تتمثل في ضعف ضمانات الوقاية من التعذيب خلال فترة الحراسة النظرية وفترة الاعتقال الاحتياطي، وعدم وجود مقتضى يلزم اللجوء الفوري والممنهج إلى الخبرة الطبية في أي حالة لادعاء التعرض للتعذيب، وضعف دور الطب الشرعي في التحقق من ادعاءات التعذيب، والمخاطر العملية الملاحَظة والمتعلقة بتحريف المسطرة التأديبية، المنصوص عليها في القانون المنظِّم للمؤسسات السجنية، والذي يؤدي في عدد من الحالات إلى حرمان السجناء من حقوقهم الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بالتطبيب .

إن هذه المعطيات جميعَها تؤكد، أكثر من أي وقت مضى، استعجالية إصدار الإطار القانوني للعقوبات البديلة و مراجعة الإطار القانوني للعفو.

وفي مجال الحريات الجمعوية، قام المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتسوية ملف 22 جمعية لم يتم تمكينها من وصل إيداع التصريح بتأسيسها، في حين لجأت 37 جمعية إلى القضاء بهذا الخصوص. وتفيد المعطيات المستقاة من وزارة الداخلية أن المعدل السنوي للتصريح بتأسيس الجمعيات أو بتجديد هياكلها، خلال الفترة التي يغطيها هذا العرض، يبلغ 5000 تصريح . علما أن دراسة المندوبية السامية للتخطيط، المنشورة في دجنبر 2011 ، أقرت أن عدد الجمعيات ببلادنا  قد وصل آنذاك إلى 44771 جمعية. وخَلُص المجلس إلى وجود اختلالات تتعلق باشتراط السلطات الإدارية المحلية على الجمعيات الإدلاء بوثائق لا ينص عليها الفصل 5 المتعلق بمسطرة التصريح بالجمعيات، وفي حالات أخرى طلبها للجمعيات الإدلاء بعدد من نسخ الوثائق يفوق العدد المحدد في نفس الفصل، وتأخير تسليم الوصل المؤقت إلى حين إجراء الأبحاث، في حين أن القانون لم يَقْرِن العملية الأولى بالثانية، إضافة إلى مشاكل بنيوية أخرى من قبيل ثقل مسطرة التصريح بفروع الجمعيات الوطنية، وعدم تنفيذ الأحكام القضائية النهائية القاضية بقانونية بعضها.

وعرفت حرية الصحافة والتعبير أشكالا من المس بها تمثلت في اللجوء إلى القانون الجنائي لمتابعة بعض الصحافيين، وإصدار عقوبات حبسية وغرامات،  فعلى سبيل الإشارة، بلغ عدد الملفات المعروضة على القضاء، والمتعلقة بالصحافة 119 قضية، ضمنها 82 قضية بتت فيها مختلف المحاكم سنة 2011، مقابل 106 قضايا سنة 2012 تم البث في 51 منها وفق المعطيات المقدمة من قبل وزارة العدل والحريات إلى المجلس. ويعتبر المجلس أن ضمان ممارسة موسعة لحرية التعبير والرأي يستلزم مراجعة عاجلة وشاملة للنصوص القانونية المنظمة لقطاع الإعلام والنشر.

وفي علاقة بالشكايات والطلبات التي توصل بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية، إلى غاية 31 دجنبر 2013، قدم رئيس المجلس رقما ناهز 41.704 شكاية وطلب، هَمَّتْ المجالات التالية: سير العدالة وحقوق المتقاضين وحقوق السجناء، يليها حقوق المرتفقين في علاقتهم بالإدارات العمومية. كما تبيَّن أيضا أن جزء من الشكايات والتي ينعقد معها اختصاص المجلس، تهم بالدرجة الأولى، وبنسبة أقل، الشطط في استعمال السلطة والمس بالسلامة البدنية وسوء المعاملة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

وتجدر الإشارة، حسب السيد اليزمي، إلى أن أربع مجالات فقط وهي: تَرِكة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقضاء والسجون والحقوق الأساسية تمثل لوحدها أزيد من 65%  من مجموع الشكايات والطلبات. حيث بلغ عدد الطلبات والشكايات المتعلقة بهيئة الإنصاف والمصالحة 13.311 طلبا، والعدالة 7802 طلبا وشكاية، والسجون 5005 طلبات وشكاية، وادعاء انتهاك الحقوق الأساسية 1289 طلبا وشكاية. فيما تمت إحالة 552 شكاية على مؤسسة الوسيط للاختصاص.

ولعل ما يدل على أهمية الانتظارات، حجم الشكايات التي توصلت بها اللجان الجهوية، في الفترة الممتدة من تاريخ تنصيبها إلى غاية مُتِم سنة 2013 ، بما مجموعه 12.206 شكاية. وفي هذا الإطار توصلت اللجان الجهوية الثلاث بالأقاليم الجنوبية للمملكة ب 933 شكاية خلال هذه الفترة وهو ما يمثل 2.23 %، من مجموع الشكايات المتوصَّل بها خلال هذه الفترة. 

إن تجاوز الاختلالات الحالية واستكمال بناء النظام الوطني المندمج لحماية حقوق الإنسان، يقتضي، كما جاء في مداخلة السيد اليزمي، علاوة على التعجيل بإصدار القوانين التنظيمية والقوانين المتعلقة بإعمال الضمانات الدستورية للحقوق والحريات، وإرساء الآليات الوطنية للوقاية من التعذيب وتعزيز الضمانات القانونية للوقاية من التعذيب، ومكافحة أشكال التمييز، والمتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتظلُّم الأطفال ضحايا انتهاك حقوقهم، يقتضي تجاوز الأسباب البنيوية للشكايات عبر مراجعة النظام القانوني للمسطرة التأديبية في المؤسسات السجنية، وتنويعَ وتوسيعَ بدائل الاعتقال الاحتياطي وإدراجَ العقوبات البديلة في المنظومة الجنائية الوطنية وتقوية آليات الرقابة والتفتيش في أماكن سلب الحرية، ومراجعة مسطرة العفو، ومأسسة آليات الديمقراطية التشاركية وشبه المباشرة، خاصة على مستوى الجماعات الترابية. وبشكل خاص تطوير الإطار القانوني للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في اتجاه ملاءمَتِه مع الدستور وتوسيع اختصاصاته ولا سيما تخويله اختصاص الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب.

ويرى المجلس أن كسب رهان تملك كافة مكونات المجتمع المغربي لثقافة حقوق الإنسان يستوجب رفع تحديات كبرى أهمها جَعْل قيم ومبادئ حقوق الإنسان محور العلاقة بين السياسات العمومية وحقوق الإنسان ومؤشرا موجها لمختلف السياسات العمومية على الصعيدين الوطني والجهوي، وإدماجُ حقوق الإنسان في المنظومة التعليمية والتربوية، والتحسيس وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان في ظل استمرار بعض المظاهر المعادية لها وتوالد أخرى جديدة، سواء في الفضاءات العامة أو في الإعلام أو في الأعمال الفنية والثقافية وغيرها؛ والتكوين في مجال حقوق الإنسان وإعداد مراكز ومعاهد متخصصة في المجال... مما سيساهمُ في تطوير القدرات؛ واعتماد مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والمناصفة كأحد أولويات الفعل العمومي، والارتقاء بالتعاطي مع موضوع الإعاقة من المقاربة الاحسانية والاجتماعية والطبية إلى المقاربة المستندة على حقوق الإنسان؛ وتوسيع دائرة المتدخلين المهتمين بمجال حقوق الإنسان ليصبح شأنا عاما.

وفي علاقة بمحور التكوين وتعزيز القدرات، أبرم المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية 47 اتفاقية شراكة تهدف في مُجْملها إلى تقوية قدرات الفاعلين في مجال حقوق الإنسان ودعم إحداث نوادي المواطنة والتربية على حقوق الإنسان بالمؤسسات التعليمية ودور الشباب؛ وكانت حصيلة مجهودات المجلس في هذا الخصوص، تنظيم 40 دورة تكوينية استفاد منها حوالي 2200 مشارك ومشاركة، بما في ذلك 19 دورة تكوينية بالجهات الجنوبية الثلاث للمملكة.

وبغرض توسيع دائرة المتدخلين في مجال حقوق الإنسان، تَم إحداث مركز الدراسات الصحراوية سنة 2012 بمبادرة ودعم من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ووكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للأقاليم الجنوبية للمملكة والمكتب الشريف للفوسفاط وجامعة محمد الخامس الرباط أكدال.

وتعتبر الحقوق الإنسانية للأشخاص في وضعية إعاقة من بين المواضيع  المركزية في إستراتيجية عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فتمكينهم وتمكينهن من المشاركة والمساهمة المباشرة في السياسات العمومية اعتبرت إحدى الأولويات منذ تنصيب هذه المؤسسة الدستورية ولجانها الجهوية، من خلال ضمان تمثيلهم وتمثيلهن في أجهزتها الوطنية والجهوية، تأكيدا لحقهم وحقهن في المشاركة والولوج للمؤسسات الدستورية والعمومية؛ ولذلك، فإن المجلس يستحضر بشكل استراتيجي في جميع أشكال ممارسته لمهامه التحديات الأفقية والمهيكلة المتعلقة بالمساواة والمناصفة وعدم التمييز، والتحديات المتعلقة بالحقوق الفئوية وملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع المعاهدات الدولية، التي صادق عليها المغرب أو انضم إليها، والتزامات بلادنا إزاء وضعية الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوربي ووضعية الشريك من أجل الديمقراطية مع الجمعية البرلمانية لمجلس أوربا. وإنهاء مسار العدالة الانتقالية، والمساهمة الفعالة في بناء المنظومة المعيارية الدولية والوطنية المتعلقة بالمقاولة وحقوق الإنسان.

وفي نفس السياق، وطبقا للمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان لتنفيذ إطار الأمم المتحدة المعنون "الحماية والاحترام والانتصاف"، التي تم اعتمادها من طرف مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة  في 26 يونيو 2011 على أهمية دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في النهوض بحقوق الإنسان داخل المقاولة، أطلق المجلس الوطني لحقوق الإنسان،  بشراكة مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية وجميع الفاعلين بالقطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، حوارا متعدد الأطراف توج، خلال شهر فبراير من سنة 2013، بعقد ندوة حول موضوع "حقوق الإنسان والمقاولة بالمغرب". وشارك المجلس أيضا في انعقاد الدورة الثانية لجلسات الحوار حول المسؤولية الاجتماعية للمقاولة المنظمة من طرف الاتحاد العام لمقاولات المغرب خلال شهر ماي من سنة 2013.

ساهم المجلس أيضا في الإجابة على التحديات من خلال إبداء الرأي في مختلف مشاريع النصوص القانونية ومنها، أساسا، القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب والقانون المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين بالقوات المسلحة الملكية والقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون التنظيمي بمثابة النظام الأساسي للقضاة، ومذكرتا العقوبات البديلة النظام القانوني للعفو؛ وقانون العدل العسكري؛ ومذكرتا القانونيْن التنظيميين للمحكمة الدستورية والدفع بعدم الدستورية؛ ورأي استشاري حول مشروع قانون المتعلق بالعمال المنزليين، وقانون الحصول على المعلومات، ومذكرة حول حرية الجمعيات.

وما ينبغي التأكيد عليه أن المجلس الوطني يولي أهمية خاصة للمبادئ الدستورية المتعلقة بالمساواة وحظر كافة أشكال التمييز والمناصفة، حيث اشتغل المجلس، يقول السيد اليزمي، على أَوْلويتين أساسيتيْن: تقديم المقترحات المتعلقة بإحداث هيئة المناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز، ووضع الإطار القانوني المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء والطفلات.

ويجد هذا الاهتمام الاستراتيجي تبريره في الوضعية المقلقة لحجم انتشار العنف ضد النساء، حيث أبرزت دراسة المندوبية السامية للتخطيط، سنة 2011 ، أن نسبة انتشار العنف النفسي بلغت 48 %، وانتهاك الحريات الفردية 31 %، والعنف المرتبط بتطبيق القانون 17،3 %، والعنف الجسدي 15،2 % والعنف الجنسي الذي يتضمن العلاقات الجنسية تحت الإكراه 8،7 % والعنف الاقتصادي 8،2 %. كما أبرزت الدراسة أن إطار الحياة الزوجية هو أول مكان لحدوث العنف ضد النساء بنسبة انتشار تبلغ 55 %.

وضمن نفس الاهتمام، يسجل المجلس، بقلق، المنحى التصاعدي في عدد رسوم زواج الأطفال والطفلات دون سن 18 سنة، الذي انتقل من 18341 رسما سنة 2004 إلى 35152 رسما سنة 2013، وهو ما يمثل، حسب المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تحديا حقيقيا لحق الأطفال في التعليم ولالتزامات الدولة المغربية بهذا الخصوص، بمقتضى المادة 28 من اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها سنة 1993. 

وفي سياق متصل، سجل المجلس الموقع المحدود للنساء في سوق الشغل الوطني، حيث لم تبلغ نسبة النساء المشغلات ضمن الفئة العمرية من 15 إلى 59 سنة سوى 20.93 %، حسب المعطيات المقدمة من قبل المندوبية السامية للتخطيط، والتي تهم الفصل الثالث من سنة 2013.

إن العزم الأكيد للمجلس الوطني لحقوق الإنسان على الترافع من أجل القضاء التام  والنهائي على تشغيل الأطفال نابع، ليس فقط من قناعة مبدئية، وإنما هو صدى لواقع مقلق أكده باستمرار البحث الدائم حول التشغيل والذي نشرت نتائجه المندوبية السامية للتخطيط، بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة تشغيل الأطفال في 12 يونيو 2011، حيث تبين من معطيات هذا البحث أن عدد الأطفال المشتغلين، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 7 سنوات وأقل من 15 سنة قد بلغ 147000 طفل سنة 2010 أي ما يعادل 3 % من مجموع الأطفال المنتمين لهذه الفئة العمرية.

كما عمل المجلس على المساهمة في إيجاد حل لمسألة منع الأسماء الأمازيغية، بعد تلقيه شكايات عديدة من مواطنين داخل المغرب وخارجه، وذلك في إطار عمل اللجنة العليا للحالة المدنية التي أزالت اللبس المتعلق بحرية اختيار الاسم للطفل.

وفي ختام تدخله استحضر السيد ادريس اليزمي التوجيهات الملكية السامية الواردة في الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله إلى الدورة 65 للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 27 شتنبر 2010 ، والذي أكد فيها أن بلادنا : "جعلت من حماية حقوق الإنسان خيارا لا رجعة فيه و ذلك في إطار إستراتيجية  شاملة تقوم على مقاربة تشاركية، تتوخى النهوض بالعنصر البشري و صيانة كرامته ضمن نموذج مجتمعي ديمقراطي تنموي"، ومن خلال هذه التوجيهات أكد أن مسار حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، يقتضي تظافر جهود السلط الدستورية  كافةً وتعاونَها مع مختلف الفاعلين والمعنيين كما يقتضي بناء تحالف مجتمعي واسع وداعم لهذا المسار. كما يقتضي أيضا إحداث المزيد من الانسجام والالتقائية في السياسات العمومية وتدخلات مختلف الفاعلين.

وأكد على أن اختيار المغرب بإرادته السيادية الانفتاحَ على الآليات الأممية لحقوق الإنسان وتوسيع ممارستها الاتفاقية، هو خيار لارجعة فيه ويقتضي تعزيز اليقظة الحقوقية في كل جهات المملكة وتعزيز ثقة المواطنين والمواطنات في المؤسسات من أجل تحصين البناء الديمقراطي الذي انخرطت فيه بلادنا وتعزيز مكانتنا في المنتظم الدولي.

كما أشار إلى أن حالة حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية للمملكة قد تم تناولها بشكل عرضاني في كل ما قام به المجلس، غير أنه من المتعين التأكيد على أن ملف حقوق الإنسان بالجهات الجنوبية الثلاث يحظى باهتمام خاص ويؤشر على ذلك المجهود المتواصل لحل ما تبقى من ملفات جبر الأضرار لفائدة الضحايا السابقين أو ذويهم في إطار متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، حيث تم في هذا السياق تنفيذ تلك التوصيات لفائدة 5027 مستفيد ومستفيدة. وفي نفس السياق أولى المجلس أهمية خاصة لحفظ ذاكرة المنطقة كأحد مكونات المصالحة ضمن تجربة العدالة الانتقالية عبر إطلاق دينامية خلق متحف الصحراء بالداخلة وما رافق ذلك من اهتمام ملح بالثقافة الحسانية وإحداث مركز الدراسات الصحراوية والمساهمة في إدماج الحسانية في المنهاج المدرسي.

وفي إطار الاضطلاع بمهمته كآلية وطنية مستقلة لحماية حقوق الإنسان بمجموع التراب الوطني، لاسيما لساكنة هذه الجهات، عمل المجلس على التعاطي مع تظلمات المواطنين وفقا لاختصاصاته ومنهجية عمله على معالجة الشكايات المتوصل بها من قبل اللجان الجهوية الثلاث. وهكذا أظهر تحليل 933 شكاية أن جزءا كبيرا منها يتعلق بمسلكيات بعض أعوان السلطة و بأوضاع السجون والمطالبة بالولوج إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والبيئية.

وفي إطار تتبع تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول أماكن سلب الحرية أو في إطار معالجة شكايات العائلات، قامت اللجان الجهوية لحقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية بـ 6 زيارات تتبع للمؤسسات السجنية، 3 زيارات إلى المستشفيات، 3 زيارات إلى دور الأيتام و مراكز حماية الطفولة.

وعلى إثر بعض الأحداث التي عرفتها بعض المدن بهذه المناطق، عمل المجلس على إيفاد 6 لجان لتقصي الحقائق وملاحظة محاكمات متابعين على خلفيتها، بما فيها حالات ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة. كما أولى المجلس عناية خاصة لحقوق الفئات الهشة، وتوج مجهوده بإنجاز، بمعية لجانه الجهوية بالمنطقة، بحث غير مسبوق حول الإعاقة بالجهات الثلاث.