لا شك بأن الجسد في المسرح أو السينما يعتبر الأداة الرئيسية للتعبير والتفاعل والتواصل... وهو القالب الذي يستوعب الشخصية بكل تفاصيلها، ببساطة واختصار الجسد هو المحرك الأساسي لكل الأحداث فبه يُخلق الفعل ورد الفعل وبدونه لن يكون هناك معنى للفرجة المسرحية والسينمائية، لكن هذا الجسد/المحرك لن يتحرك ولن يصبح فعّالا بدون وقود وبدون صيانة مستمرة، فوقوده الموهبة، وصيانته التطوير الفني والثقافي والمعرفي... وبدون هذه العناصر وهذه المواكبة المستمرة سيبقى هذا الجسد مجرد محرك متهالك لاقيمة له مهما كان بريق شكله وجمال هيكله الخارجي.
إذا تكلمنا عن الجسد في المسرح أو السينما فنحن نتحدث عن الممثل وما يصدر منه من فعل يشكل فنا ملموسا يدعى التجسيد، لن أستدعي هنا تاريخ المسرح اليوناني وكيف مَسرَحَ الجسد وأطلقه متحررا، ولن أدخل في متاهاته الفلسفية والأنتروبولوجية، ولن أتعرض أيضا لمفهومه عند بكيت وأداموف وغيرهما، فالجسد الذي سأتحدث عنه هنا لن يستحق كل هذه الجلبة المعرفية، فهو جسد فُرِض على المُتلقي صدفة خارج حلبة الإبداع ليصبح بعد ذلك أداة شعبوية رخيصة تغدي قطاعا عريضا من الاعلام المبتذل، والذي بدوره يغدي أتباعه من الباحثين عن الإثارة السوقية السخيفة البعيدة كل البعد عن الفن الحقيقي ذي الأسس العلمية والفكرية.
بين كل جلجلة وضجة يُطرح سؤال بقوة، لماذا جسد رانيا يوسف دون غيرها رغم أن هناك أجساد أخرى أكثر منها أنوثة وإثارة؟ رانيا يوسف أوجدت لنفسها هذا الصخب بعدما وجدت اسمها غير متداول فنيا، لا بالتحليل ولا حتى بالإشارة فتصرفت بذكاء، ويجب أن نعترف بذلك، فلكي تكون متواجدة بين الجمهور كيفما كان تصنيفه وتلاوينه، استغلت جسدها بتسليطه على الفكر العربي المتأرجح بين المقدس والمدنس، والذي لا يرى في جسد المرأة سوى مصدرا للذة وأداة لإثارة الغرائز، رغم انه قد يكون أيضا في العرف الفني مصدرا للألم والمأساة.
رانيا يوسف من تضاريس جسدها وسيطرت بها على هذا الفكر وبدأت تناوشه من حين لآخر، فكلما شعرت بخفوت ''نجمها'' المصطنع، ظهرت فجأة لتنيره من جديد، وهكذا أصبحت محط أنظار الجمهور والاعلام واهتمام أصحاب المهرجانات وصانعي الأفلام والبرامج التلفزية ودور الأزياء... وكل يبحث عن مصلحته الخاصة، فنجدها في هذا العمل الفني أو ذاك المهرجان ليس لأنها ممثلة حقيقية كسبت الرهان بعرق إبداعها، بل لأن اسمها أصبح عملة تجارية تضمن لهؤلاء مكسبا ماديا مهما، وهم يستغلونه كما تستغله هي أيضا إلى أن تتشوه أو تختفي تضاريسه، وبعدها سيخفت اسمها نهائيا وينتهي، لأنه ارتبط بالشكل وليس بالإبداع، وأظن أنها على دراية بهذا الأمر لهذا تجدها مستمرة بشكل متلاحق في إثارة الجلبة الشعبوية حتى يكون اسمها متداولا بشكل مستمر، ولا أظن أن الهدف من خرجاتها الإعلامية تحطيم المقدس وتفكيك الفكر المجتمعي المنغلق اتجاه جسد المرأة ، فالموضوع لديها أتفه من هذا بكثير، وتفكيرها كما يظهر في العديد من الحوارات سطحي وعنوانه العريض السخافة والابتذال.
لا أظن أننا جميعا نحتفظ في ذاكرتنا بدور مميز لرانيا يوسف طيلة مسيرتها الفنية، فهي شاركت فعليا في الكثير من الاعمال السينمائية والدرامية ليس بسبب موهبتها، بل بسبب اسمها الذي أصبح علامة تجارية مطلوبة كما قلت سابقا، فبجرد بسيط لعدد الأعمال التي شاركت فيها في السنوات الأخيرة وهي السنوات التي برز فيها اسمها اعلاميا وبقوة نجد أنها شاركت مثلا في 8 اعمال سنة 2021 ونفس العدد في 2020... بينما هناك ممثلات حقيقيات وموهوبات لايشاركن في هذا الكم من الأعمال في سنة واحدة بل منهن من لا تجد عملا واحدا تشتغل فيه، فهل هي ممثلة عبقرية الى هذا الحد؟ بالطبع لا فتشخيصها بارد منذ بداياتها الأولى، لاتتقن التلاعب بتعابير وجهها، ولا تقوم بأي مجهود للتواصل مع الجمهور، بل لا تمنحه حتى فرصة استنباط مشاعر الشخصية التي تلعبها، فيجد المُشاهد نفسه حائرا وتائها بين تعابيرها التي تكون في الغالب مصطنعة ومزيفة، وفي أحيان كثيرة يكون أداؤها مرتبكا ونشازا داخل العمل وخصوصا إذا ضم العمل ممثلين كبار ومحترفين، فشخصيا لا أجد أي تطور في مسارها التشخيصي، ولا تقوم بتاتا بأي مجهود لتطويره كونها اقتنعت بأن اسمها دون ابداعها أصبح كافيا للمشاركة في هذا العمل أو ذاك. أما صوتها الذي يعتبر سلاح الممثل فهو مزعج ولا يتأقلم مع ما تتطلبه الشخصية المراد لعبها فتجده بنفس الإيقاع والنبرة والنغمة بل حتى في دور المرأة الصعيدية، تتحول اللهجة الصعيدية بين شفتيها الى لهجة ممسوخة بدون هوية.
إذاً تبقى رانيا يوسف ممثلة بدون إبداع ملموس، تستخدم من طرف المنتجين كوعاء فارغ ليفرغ فيه المتلقي مكبوتاته، ولا يعني هذا أنني أصنفها ضمن نجمات الإغراء، فالإغراء في حد ذاته إبداع والاستعراض الجسدي لرانيا يوسف لا يرقى الى هذا النوع الفني أيضا، فلديها ضمور وخمول في تموجاتها الجسدية، وإيقاعها الحركي بطيء جدا، كما أن الإغراء يعتبر أداة تعبيرية مرتبطة بالشخصية ولا يستعمل مجانا ولا اعتباطا ولا بشكل ارتجالي كيفما اتفق فلكل حركة معنى يفسر حسب سياق الموقف أو الحدث ، بل يمكننا إدراجه تحت فن الحركات الايحائية أو مايسمى بالبانتوميم، فرغم وجود الحوار أحيانا يبقى الجسد هو المتكلم.
أنا هنا لست ضد حرية اللبس أو ضد ماتلبسه رانيا يوسف أو ما لا تلبسه فهذا لا يهمني، ولست ضد استخدام جسدها لإثارة الجدل، فالمشكلة ليست فيها بل في نوعية معينة من الاعلام ومريديه، فلولاهم لما استمرت فيما تقوم به، أنا هنا ضد استغلالها المكثف في مجال الإبداع رغم افتقارها للموهبة المطلوبة، ومشاركتها في عمل فني يعني غلق الطريق أمام موهبة أخرى تستحق الظهور وحرماننا نحن الجمهور من الاستمتاع بالإبداع الحقيقي بدل الابتذال.