قراءة في دلالات تمديد الملك لزيارته لتونس لم يكن الخطاب الرسمي الذي ألقاه الملك محمد السادس أمام أعضاء المجلس الوطني التأسيسي يوم السبت 31 ماي 2014 هو وحده اللحظة الأخرى في الزيارة التي قام بها إلى تونس، بل هناك لحظات أخرى لها نفس الدرجة من القوة، وضمنها أداؤه لصلاة الجمعة يوم 6 يونيو بمسجد الإمام مالك بن أنس بتونس العاصمة، وجولاته (خارج البروتوكول) في شوارع تونس وأسواقها، ما يوضح أن الزيارات الملكية ليست فقط تقليدا رسميا، لكنها بالإضافة إلى ذلك خطابات ورسائل موجهة إلى كل من يعنيهم الأمر.
في خطابه أمام منتخبي الأمة داخل المجلس التأسيسي التونسي، أكد الملك دعم المغرب لمسار التحول هناك، ومساندته لكل الاختيارات التي تقوم على دعم خط الاعتدال وإسناد رهان الانتقال الديمقراطي، وفي هذا الإطار أكد "دعم المغرب للجهود المبذولة من أجل توطيد دعائم دولة المؤسسات، والاستجابة للتطلعات المشروعة للشعب التونسي، إلى الحرية والديمقراطية، والكرامة والعدالة الاجتماعية، في إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية للبلاد. كما وضح أن "مواصلة الإصلاحات في مختلف المجالات، وإجماع كل مكونات المجتمع على رفض نزوعات التطرف والعنف والإرهاب، هو السبيل الأمثل لتحقيق آمال وتطلعات جميع التونسيات والتونسيين. وذلك بما يضمن الاستقرار السياسي، والارتقاء بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية". مشيرا في الآن ذاته إلى أن "الاستثمار الأمثل للعلاقات المتميزة المغربية التونسية سيشكل، بالتأكيد، التجسيد الواقعي والعملي للتكامل المغاربي. ذلك أن تحقيق طموحنا في بناء مغرب كبير، قوي وقادر على القيام بالدور المنوط به، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، يضيف محمد السادس، يجب أن يرتكز على علاقات ثنائية وطيدة بين دوله الخمس من جهة، وعلى مشاريع اندماجية، تعزز مكانة ومسار الاتحاد المغاربي من جهة أخرى".
على ضوء ذلك، سعى الملك إلى أن يترجم هذا الخطاب العميق على أرض الواقع، واقع تونس التي تعيش مخاضات الانتقال الديمقراطي منذ إقدام الشاب البوزيدي على إحراق نفسه، معمدا بدمه وروحه طريق البلد نحو الديمقراطية.
محمد السادس بدا في الصور، التي تناقلتها وسائل الإعلام الرسمية في تونس والمغرب، وتداولتها بقوة شبكات التواصل الاجتماعي، يتجول رفقة ولي عهده في شوارع تونس العاصمة. وبدا في صور أخرى مرفوقا بمواطنين تونسيين ومغاربة مهاجرين كانت تصريحاتهم تؤكد اعتزازهم بتواضع الملك ولطفه. وفي خلفية الصور قرأ التونسيون رسالة الملك بالوقوف إلى جانبهم، مدعما، بالملموس، فكرة الاستقرار التي تنشدها الدولة والمجتمع هناك.
أما الرسالة الثالثة فقد بثتها تحركات الملك من خلال حرصه على تمديد إقامتها هناك، وأداء صلاة الجمعة بمسجد الإمام مالك إلى جانب رئيس الجمهورية التونسية منصف المرزوقي، وبحضور ولي العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد.
لا شيء في حركات الملك بلا قيمة. إنه في هذا المقام الديني بالضبط حريص على أن يبلغ العالم حرص أمير المؤمنين على منهج الوسطية الدينية، ممثلة في المذهب المالكي الذي نتقاسم سماحته مع تونس وغيرها من البلدان. الأمر الذي التقطه خطيب المسجد الذي أكد "أن المغرب وتونس تجمعهما روابط دينية وثقافية مشتركة، يذكيها تبني البلدين لفكر ديني واحد، يتمثل في المذهب المالكي السني والعقيدة الأشعرية، اللذين يقومان على التسامح والوسطية والاعتدال". مشيرا إلى أن أداء الملك صلاة الجمعة، بمسجد الإمام مالك بن أنس "تجسيد للقيم والأواصر الدينية والتاريخية التي ما فتئت تجمع بين بلدينا". معربا عن يقينه بأن الزيارة التي يقوم بها محمد السادس لتونس ستسهم في "تعميق الروابط الثنائية بما يساعد على تحقيق تقدم وازدهار شعبي البلدين الصديقين"..
نتذكر في هذا السياق استجابة الملك لنداء الزوايا الدينية في كل من تونس وليبيا ونيجيريا ومالي والنيجر بتكوين أئمة المساجد، وبدعم مسارات التنمية في كل المحيط الإفريقي لإيمانه الراسخ بأن رهان النهوض ليس فقط رهانا اقتصاديا، بل هو كذلك رهان فكر وأخلاق ومجتمع. أما الرسالة الأساسية فتمت عبر إقدام الملك على التجول بـ "لوك شبابي" متجدد رفقة ولي العهد على أرض تونس المتحولة ديموقراطيا. لتأكيد أن الحداثة والعصرنة لا تتخاصمان مع قيمنا الحضارية المتأصلة في التاريخ والمنفتحة على العصر.
لأجل ذلك صرخت إحدى شابات تونس: "الملك متواضع، ولطيف برشا برشا".