من لا تاريخ له، لا هوية له.وعدم فهم التاريخ وليد جهل الماضي. المناسبة شرط، وهي الاحتفال بمرور 47 سنة عن انطلاق المسيرة الخضراء المظفرة. وهي معلمة نوعية أعطى انطلاقتها المغفور له الحسن الثاني طيب الله قراه بمشاركة حوالي 250 ألف متطوع ومتطوعة اضافة إلى وفود دول شقيقة وصديقة.
ان تاريخ قضية الصحراء يعود الى النصف الثاني من القرن19م حيث تزايدت الأطماع الإستعمارية في الصحراء . وقد نفى السلطان الحسن الاول اختراق الجيش الفرنسي الخط الصحراوي بلاد توات 1882م كما رفض إقامة مركز اسباني بالداخلة. وبعد انعقاد مؤتمر برلين 1884م، وبعد تصريح الزعيم الألماني بسمارك حول استعمار القارة الأفريقية الغنية بالموارد الطبيعية، بعث السلطان الحسن الأول بمذكرة احتجاج حول التدخل في الصحراء الى ممثلي الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية المقيمين بطنجة. ورغم استمرار مناورات الدول الأوربية ، اعترفت اسبانيا 1891م بسيادة المغرب على واحات توات .. وبعد وفاة الحسن الأول طلب هلفة المولى عبد العزيز من الشيخ ماء العينين بناء السمارة كما أمر من بعده المولى عبد الحفيظ قواد الأقاليم الصحراوية واعيانها بمنع إقامة أية منشأة أجنبية بها.وقد كانت القوات الفرنسية قد احتلت بلاد أطار وشنكيط وعين الشعيروودان ايدجيل بعد انسحاب سكان هذه المناطق الى الساقية الحمراء ووادي الذهب.
وبعد امضاء المولى عبد العزيز على شروط ومواد عقد الحماية في 30 مارس 1912 اشتد التوتر في الأقاليم الصحراوية بسبب ما تضمنته معاهدة الحماية من إزدواجية الإدارة مغربية وفرنسية وتوسع على مستوى سلطات الحماية الفرنسية.. وكان تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال فرصة لإثارة قضية الصحراء بالمحافل الدولية . وقد أكد المغفور له محمد الخامس في خطابه التاريخي بالمحاميد في 1958 إرادة المغرب استكمال وحدته الترابية ..وفي نفس السنة استرجع المغرب طرفاية من اسبانيا. وفي سنة 1960 ألقى ولي العهد الحسن الثاني في هيئة الأمم المتحدة خطابا صريحا تناول فيه موضوع الاستعمار في الصحراء ..كما ألح المغفور له محمد الخامس في اول مؤتمر الدول الافريقية المنعقد بالدارالبيضاء على رغبة المغرب في استرجاع أقاليمه السليبة وتبنى خلفه الحسن الثاني نفس الطلب في 3مارس 1961 بعد تولية العرش . لقد قرر المغفور له الحسن الثاني عرض قضية الصحراء على المحافل الدولية وخاصة بهيئة الأمم المتحدة 1963 ولقي العاهل الاسباني الجنرال فرانكو لمدريد. وفي اكتوبر 1966 عرض المغرب قضية الصحراء امام الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة . وبالفعل تمكن المغرب من استرجاع سيدي افني 1969.وفي سنة 1974 شرع المغرب في تبني الخطة الدبلوماسية والمسطرة القانونية في ملف الصحراء وافقت عليه هيئة الأمم المتحدة تعرضه على محكمة العدل الدولية ب لاهاي. وفي 27 مارس 1975 عين المغرب السيد ألفوتص بوني Alfonce Boni قاضيا لمساندة دعواه في قضية الصحراء امام محكمة العدل الدولية. وبالفعل في 12 ماي 1945 وبعد مناقشات مستفيضة وماراطونية واستئناسها بوثائق وحجج دامغة على مغربية الصحراء خاصة تلك الوثائق الخاصة بتعيينات نواب الملك بالصحراء وبالرسائل المتبادلة بين الملوك العلويين وشيوخ القبائل الصحراوية.
ومباشرة بعد صدور حكم محكمة العدل الدولية وتأكيدها لمغربية الصحراء ، شرع المغفور له الحسن الثاني في اعداد وترتيب ملحمة المسيرة الخضراء.
تحتل المسيرة الخضراء مكانة متميزة ومشرقة في نفوس ووجدان المغاربة لكونهاملحمة وطنية سطر فيها المغاربة تاريخا جديدا عبروا من خلاله على حبهم و ولائهم لوطنهم وايمانهم الصادق له. ان المسيرة الخضراء لم تكن حدثا عابرا في تاريخنا المجيد بل هي ملحمة سطر فيها المغاربة تاريخاةجديدا لبلادهم وصاغوا بدقة معان منفردة لحب الوطن والانتماء والولاء والتمسك بمقوماته ورموز سيادته.
المسيرة الخضراء محطة تاريخية بامتياز وستبقى منقوشة في سجل تاريخ المغرب ومفصلية مهمة . فهي لم تكن خطب ولا دروس،نظرية في العمل الوطني بل ممارسة واقعية وسلوك حقيقي واقعي ترجم قيمة إنسانية نبيلة وهي حب الوطن.
ان روح المسيرة الخضراء هي احدى دعائم الهوية المغربية الصادقة بل الدولة المغربية ككل. فقد كان لهذا الحدث التاريخي المتميز آثار ايجابية في تعميق الهوية الوطنية المغربية. وتمثل المسيرة الخضراء كذلك درسا في التخطيط القانوني والعملي الدبلوماسي .فقد حملت المسيرة الخضراء في طياتها عبرا ودروسا بالغة في الاهمية. فحدث المسيرة الخضراء هو تعبير تاريخي فريد ومتميز ابدعه المغفور له الحسن الثاني وجسد مكونها السياسي والثقافي صاحب الجلالة محمد السادس الذي لازال يواصل الحرص على قيم الاصالة ويقف على تاريخ بلاده باستمرار ويمتلك مهارة وكفاءة الربان الرزين والمتبصر والحكيم الذي يستطيع الامساك بدفة القيادة بحكمة وتبصر في اوقات الازمات.
ان الصحراء مغربية وستظل مغربية بالرغم من مناورات الخصوم،لان هواءها وسماءها ورمالها رويت بدماء المغاربة الصحراويين . والمغرب ليس بحاجة لمن يضفي الشرعية على سيادته في صحرائه مهما كان الطرف الذي يعتقد ان في اعترافه بذلك قيمة مضافة.
لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية في حاجة الى اعتراف المغرب بوجودها يوم أسست،لانه بلد التاريخ المتجذر والضارب في القدم . ومن المفروض ان تكون الولايات المتحدة الأمريكية اول من يقر بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه ردا على جميله السابق.
اذا كانت المسيرة الخضراء قد مكنت بلادنا من استرجاع اقاليمه الصحراوية الغالية،فان بلادنا تقود مسيرات تنموية تهدف الى ترسيخ الحقوق المدنية والسياسية وتمضي قدما في النهوض بالحيل الجديد من الحقوق السوسيو اقتصادية والبيئية والثقافية. ورغم المحاولات اليائسة لخصومنا للمس بسمعة بلادنا وسيادته ،فالمغرب سيواصل بثبات تعاونه مع هيئةالامم المتحدة ومع مبعوث امينها الخاص ومع الدول الصديقة والشقيقة من اجل ايجاد حل سياسي ونهائي للصراع المفتعل حول وحدتنا الثرابية في اطار مبادرة الحكم الذاتي المشهود لها بالمصداقية وبروح الواقعية.
ان المشاريع الضخمة التي اطلقها عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس وخاصة في اطار النموذج التنموي الجديد ، سيجعل بكل تاكيد من الصحراءالمغربية قطبا اقتصاديا مندمجا يؤهلها للقيام دورها كصلة وصل بين المغرب وعمقه الافريقي وكمحور للعلاقات بين بلدان المنطقة.
ان تخليدنا لذكرى المسيرة الخضراء واستحضارنا لخطاب محاميد الغزلان هو مناسبة لاستلهام قيم الوطنية الصادقة والوفاء لمقدسات الامة والتضحية في سبيل الوطن.
وصفوة القول المسيرة الخضراء حدث تاريخي متميز وملحمة من الكفاح الوطني الذي تعود جذوره الاولى الى مرحلة ما بعد الحماية، وستبقى محطة تاريخية في مسيرة تاريخ بلادنا، وستبقى كذلك محطة فارقة في تاريخ مغربنا الحبيب.
خليل البخاري. أستاذ مادة الاجتماعيات