يسود منذ مدة خطاب متشائم حول حال ومآل مهنة المحاماة في المغرب. ويسود هذا الخطاب في مواقع التواصل الاجتماعي وحتى بعض بيانات وبلاغات وتصريحات مسؤولين مهنيين.
ومرد ذلك الى الوضع الاجتماعي الذي أصبح يعيشه عدد كبير من المحامين في ظل ممارسة مهنية لا توفر الحد المعقول من شروط العيش الكريم للمحامي وعائلته، هذا هو جوهر المشكل.
ومن جهة أخرى؛ إحساس المحامين بتراجع دورهم وتأثيرهم في التدافع المجتمعي. وكل هذا له أسباب كثيرة ومتداخلة لا تتعلق فقط بجسم المحاماة بل بالمجتمع الذي هي جزء منه ينعكس عليها تطوره كما تنعكس عليها أزماته.
وفي الفترة الأخيرة ظهرت هذه الأزمة في بعض المحطات خاصة بمناسبة فرض جواز التقليح. وحاليا بمناسبة تسريب مسودة مشروع قانون المهنة، وترتب عن ذلك عدد من المواقف المعلن عنها لوزير العدل ولمسؤولين مهنيين واطارات مهنية ولعموم المحامين وهي التي كشف عدد منها سمة التشاؤم.
لكن من خلال قراءة التاريخ واستقراء كل المعطيات اقتنعت شخصيا إنه لا داعي للتشاؤم حول مآل وضع مهنة المحاماة لأنها قوية. وتستمد قوتها من عناصر كثيرة. اهمها ان المحامين في المغرب ظلوا مرتبطين بقضايا وطنهم وشعبهم ولم يتخلوا في أية محطة ولم يتخاذلوا أبدا ـ افرادا ومؤسسات-في ابداء الموقف والتعبير عن الرأي حتى في اشد اللحظات حلكة. وحين تخفت الاصوات يعلو صوت المحامين.
وظلت المحاماة خزانا للطاقات والكوادر ومنبعا للأفكار والمبادرات. والواقع شاهد على ذلك كما التاريخ، فقط علينا ان نمعن النظر جيدا.
ولا شك ان جسما بهذه المواصفات من الحيوية واليقظة لن يخلو من هزات وارتدادات داخله ومن الخارج.
وفي هذا الإطار تأتي الحالة التي نعيشها اليوم والتي تدور حول نقطتين:
مشروع قانون المهنة وتنظيم امتحان الأهلية.
واعتقد انه بغض النظر عن كل التجاذبات فإن الاصل هو:
إن امتحان الأهلية من اختصاص وحق الحكومة (وزارة العدل) الاعلان عنه. ولكن من حق المحامين الدفاع عن مهنتهم وبالتالي عدم اغراقها بأعداد كبيرة جديدة لامتصاص البطالة.
اما مشروع قانون المهنة، فإنه لا غنى عن المقاربة التشاركية والتي اصبحت اليوم مدسترة (الفصل 1من دستور 2011) وبالتالي لا غنى عن لجنة مشتركة (كما جرت العادة) لإعداد المشروع، وللوزارة أن تعتمد الأرضية التي تراها مناسبة كما للمحامين نفس الحق.
كما تجدر الاشارة انه في تدبير هذا الأمر لابد من احترام ادوار الفاعلين ومواقعهم. وعلى كل واحد ان يتسم في سلوكه وموقفه بالصدق والمسؤولية.
فالمواقع مؤقتة مهما طال الجلوس على كراسيها. والدفاع عن الحق هو الذي يجمع مختلف هؤلاء الفرقاء. وبهذا تبقى المؤسسات محترمة ويبقى المحامون أعزة، والمحاماة عصية، ولن يوجد اليوم من هو اقوى من نابليون حين سعا الى ازالة المحاماة من الوجود، وهدد بقطع السنة المحامين حين قال " طالما السيف إلى جانبي سيكون ضمن سلطاني قطع لسان كل محام يتجرأ على استخدامه ضد الحكومة " فخاب سعيه وأظهرت الأيام والسنون ان لسان المحامين اصلب من سيف نابليون الذي ذهب ادراج الرياح، وبقيت المحاماة أكثر صلابة وقوة، لأنها صوت الحق وسيفه. وسيف الحق اقوى من سيف نابليون.