عزوزي بوزيد: تداعيات سعر الدولار على الاقتصاد الوطني.. أين ومتى قد تظهر الأزمة؟

عزوزي بوزيد: تداعيات سعر الدولار على الاقتصاد الوطني.. أين ومتى قد تظهر الأزمة؟ عزوزي بوزيد
على هامش الارتفاع المتنامي للدولار في الأسواق العالمية، بدأت العديد من الحكومات تضع يدها على قلبها مخافة أن تقود هذه الارتفاعات إلى خلق اختلالات مالية في ميزان تجارتها.
"أنفاس بريس"، اتصلت بالأستاذ عزوزي بوزيد، لمعرفة وجهة نظره بشأن انعكاس ارتفاع سعر الدولار على الاقتصاد المغربي، فكانت هذه الورقة:
 
أود بداية التأكيد على أن "التنمية استراتيجة مندمجة"، مكونة من محاور عديدة متكاملة من أجل تحقيق أهداف محددة على المدى الطويل .
إن التنمية ليست اقتراحا منفردا أو وثيقة معزولة أو أرقاما إحصائية مركبة توحي ببرنامج معين . 
إن التنمية تشخيص وتخطيط وتعبئة وتدبير للموارد ثم تنفيذ بإحكام .
إن العنوان ملخص للأسئلة المطروحة من طرف جريدتي  "أنفاس بريس" و"الوطن الآن"، مع تحويرها قصد وضعها في قالب نهج يبسط الفهم والإستيعاب ويستجيب وعلاقة ارتفاع سعر الدولار وتأثيره على الميزان التجاري وميزان الأداءات لبلادنا .
تجدر الإشارة إلى أن الدولار ليس هو العملة الوحيدة التي يتعامل بها المغرب في معاملاته التجارية وتعاملاته البنكية إيرادا وتصديرا . 
في هذا السياق أشير إلى أن التحولات السياسية الجارية حاليا على الصعيد الدولي تتطلب متابعة مستمرة متواصلة قصد تتبع بروز آليات مالية جديدة وعملات في طريقها لأن تصبح "عملات صعبة" لم يكن لها حضور حتى وقت قريب كما هو حاصل الآن .
إننا نلاحظ ونسجل أن مجموعات اقتصادية ، ببعد سياسي ، برزت خلال السنوات القليلة الماضية كمجموعة بريكس وشانغاي، اللتان بدأتا الحديث عن التعامل بالروبل الروسي واليوان الصيني والروبي الهندي  الخ 
بالمناسبة تجب الإشارة إلى أن معاملاتنا التجارية مع الدول الأجنبية تمر عبر سلة من العملات مكونة من عملتين:
- 60% من اليورو
- 40% من الدولار 
وبالتالي فارتفاع قيمة الدولار تساهم بنسبة الثلث 1/3 أي 40% تقريبا في معاملاتنا التجارية مع الخارج في الوقت الذي صعد فيه الدولار،  سار اليورو في منحى الإنحدار ويساهم بنسبة أقل بقليل من الثلثين أي 60% .
أشير كذلك إلى أن لكل عملة قيمتان عند الأبناك وشركات الصرف: قيمة عند الشراء وقيمة عند البيع .
فقيمة العملة عند الشراء تكون أغلى من قيمتها عند البيع، وبالتالي فالبنك المكلف بالتحويلات المالية عند الإستيراد أو التصدير يشتغل بمعطيات هاته المعادلة التي من خلالها يحقق ربحه .
في الوقت الراهن ، قيمة الدولار واليورو هما كالتالي : 
عملة : شراء بيع 
دولار :11,2541  9,6837
يورو : 11,1595   9,6023
فيما يلي أسوق مثالا لكيفية حساب صرف قيمة الدرهم والعملة مقابل شراء بضاعة ما من دولة أجنبية او بيعها لدولة خارجية .
تظهر هنا قيمة العملة المستخرجة من سلة العملات التي يحصل عليها رجل الأعمال الذي يورد أي يشتري سلعة او بضاعة من دولة أجنبية ليدخلها للمغرب أو يصدر منتجا وطنيا إلى شريك تجاري زبون في بلد أجنبي.
*الحالة الأولى عند شراء العملة :
 
11,2541x40% =   4,50164
11,1595x60% =     6,6957
                =11,2121
الحالة الثانيةعند بيع العملة:
9,6837x40%= 3,87348
9,6023x,60%= 5,76138
              = 9,63486
الحصيلة هي أن قيمة العملة المحولة تتموقع بين الدولار واليورو .
لو كانت السلطات المالية اكتفت بأداء الواجب بالدولار لكان التحويل أكثر والأداء النقدي أغلى .
إن  التساؤلات حول تداعيات سعر الدولار على الإقتصاد الوطني وأين ومتى قد تظهر الأزمة هي أسئلة يعرفها ويجيب عنها عدد كبير من رجال الأعمال الذين يشتغلون في قطاع التجارة الخارجية إن على مستوى الإيراد أو التصدير .
كما هو معلوم لهذا القطاع الإقتصادي تأثير مباشر وقوي جدا على الأقل على ثلاثة محاور :
- المحور الأول: الواردات والصادرات 
- المحور الثاني: رصيد العملة الصعبة عند مركز الإصدار أي بنك المغرب ،
- المحور الثالث: السوق الداخلية والتضخم 
فيما يخص الواردات والصادرات، تجدر الإشارة إلى وجوب الرجوع إلى الميزان التجاري balance commerciale والنظر في المواد المستوردة ونوعيتها وتعديدها، وبالمناسبة التدقيق في الأداءات المالية، دولارا كان أو يورو في سلة العملات ، التي تتطلبها من العملة الصعبة وهو جانب يجيب عنه ميزان الإداءات balance des paiements  عند السلطة المالية من وزارة الإقتصاد والمالية وبنك المغرب ومكتب الصرف وطبعا بالتنسيق مع كافة الأبناك التي ندعوها بمسمى الأبناك التجارية .
بالمقابل يجب النظر في نوعية البضاعة والمواد المصدرة وإحصاؤها وتعديدها والتدقيق في مداخيل العملة الصعبة التي نجدها كذلك مسجلة في ميزان الأداءات .
فالميزان التجاري وميزان الأداءات هما الوثيقتان اللتان تقدمان كافة المعطيات الاقتصادية المرتبطة بالتجارة الخارجة بضاعة وعملة ، وبالقرارات الكبيرة فيما يخص التوجهات الإستراتيجية لوضع هيكلة الاقتصاد الوطني .
يظهر بوضوح من هذا التقديم أن للواردات والصادرات في الميزان التجاري علاقة مباشرة مع ميزان الأداءات وتأثير التجارة الخارجية على رصيدنا من العملة الصعبة المسجلة عند بنك المغرب والمؤتمن على ادخارها .
فالناتج بين الواردات والصادرات هو الناتج من رصيد دائن او رصيد مدين، أي ربح أوخسارة بقيمة العملة الصعبة .
من البديهي أن ارتفاع قيمة عملة صعبة ما، له تأثير مباشر على عملية  الإستيراد والتصدير .
فارتفاع قيمة الدولار، كما هو حاصل الآن في الأسواق التجارية والمالية الدولية له تبعات مباشرة على تجارتنا الخارجية، إذ أن :
- المورد سيدفع قدرا أكبر من الدولار للحصول على نفس البضاعة وعدد الأغراض المقتناة .
- والمصدر سيحصل على قدر أكبر من الدولار لنفس البضاعة ولعدد الأغراض التي طلبت للتصدير ما دامت أن قيمة الدولار قد ارتفعت. 
يظهر هذا الطرح أن تأثيرات تداعيات صعود قيمة الدولار له ارتباط مباشر مع نوعية صادراتنا ووارداتنا وعلى قيمتها المالية بالعملة الصعبة وبكل التداعيات الإجتماعية من خلال نسبة التضخم كما حصل منذ اندلاع حرب روسيا-اوكرانيا بعد الإرتفاعات الكبيرة والمتتالية على ثمن المحروقات والحبوب والأسماد وتداعياتها على الإستهلاك الداخلي وتبعاته .
خلال سنة 2021 قارب العجز التجاري لبلادنا 20 مليار دولار وذلك أكثر بحوالي الربع بالنسبة لسنة من قبل أي 2020 بما قدره  16 مليار دولار أي بزيادة 25%.
وظهر هذا من خلال عمليات الإستيراد التي ناهزت 52 مليار دولار مقابل ما صدرناه أي حوالي 33 مليار دولار .
فوارداتنا تتكون على وجه الخصوص من الطاقة كالغاز والبترول التي ازدادت أثمانها بشكل مهول خصوصا بعد اندلاع الحرب الروسية-الأكرانية، وقطاع مواد التجهيز والسيارات السياحية وقطع الغيار لعدد من القطاعات الإقتصادية والأدوية الصيدلانية الخ .
أما الصادرات ، فقد صدرنا عددا من المواد على رأسها الفوسفاط الذي من حسن حظ بلادنا ساهمت في رفع ثمنه الظروف الدولية الراهنة ، فارتفع ثمنه بشكل لم يكن في الحسبان ، ومعادن أخرى والمواد الكيماوية والسيارات والمواد الفلاحية والصناعات الغذائية وبعض لوازم قطاع الطيران .
لصعود قيمة الدولار تأثير مباشر على : 
أ- ميزاننا التجاري وميزاننا للأداءات أي على رصيدنا بالعملة الصعبة المؤتمن عليها عند معهد الإصدار ، وبالتالي على قدرة اقتصادنا على مواجهة تقلبات السوق تصديرا واستيرادا ،
ب- ارتفاع مستوى نسبة التضخم الذي ينتج عنه ارتفاع مستوى الأسعار الذي يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية عند المواطن المغربي.
طبعا هنا تبرز إشكاليات كبيرة تتمحور حول نهج تدبير السوق والمجتمع والتي تتحملها الحكومة التي يصبح مطلوب منها الإنكباب على وجوب إيجاد حلول ناجعة وسريعة لتفادي كل ما من شأنه أن يجعل النظام العام يرتبك .
ما تجب الإشارة إليه هو أن الظروف السياسية الحالية المتشنجة على المستوى الدولي لها تأثيرات ثقيلة جدا على قطاعي الإقتصاد والمالية، إذ ان الإقتصادات العالمية تصدعت بقوة كبيرة جدا واضطربت التبادلات التجارية استيرادا وتصديرا وتأثرت الموازين التجارية وموازين الأداءات بدون استثناء .
وهكذا فقد صعدت نسب التضخم إلى مستويات لم نكن نتصورها منذ بضعة أشهر قليلة ، فقد وصلت نسبة التضخم في الولايات المتحدة الأميركية بداية شهر شتنبر 2022 إلى 8,50% بعد أن كانت 4,70% سنة 2021 و 1,23% سنة 2020 .
أما في الإتحاد الاوربي فقد تجاوز سقف هاته النسبة 9,8% بداية شتنبر 2022 بعد أن كان 2,55 % خلال سنة 2021 و0,5% خلال سنة 2020 . 
في المملكة المتحدة قفزت نسبة التضخم إلى 10,10 % خلال شتنبر 2022 وقد يتجاوز 13% في شهر أكتوبر  القادم بعد أن كان 0,50% خلال 2020.
خلال شهر شتنبر 2022 بلغت نسبة التضخم في تركيا  79,6% , وفي مصر 14,6% وفي المغرب 5,3% أي أن نسبة التضخم في بلادنا بقيت في مستوى متحكم فيه من طرف السلطات المالية . 
نتيجة هاته النسب العالية لمستويات التضخم على المستوى العالمي التي قلبت موازين الإقتصاد رأسا على عقب في هاته الدول ودفعت بانطلاق مظاهرات في قلب بعض العواصم الأوربية ومدنها مطالبة بتخفيض الأثمان الإستهلاكية ، اضطرت الحكومات والسلطات المالية الغربية إلى رفع سعر الصرف المديري المحوري taux directeur محاولة منها كبح جموح تصاعد الأثمان الإستهلاكية في الأسواق :
- عبر إبطاء تدفق الموارد المالية عن طريق محاولة تعطيل إمداد القروض إلى الأسواق المالية.
- أو تجفيف الأسواق المالية عن طريق إطلاق قروض السنداتemprunts obligataires. 
ولكن يظهر أن هاته التقنيات في تدبير الأسواق المالية الغربية لم تتمكن من التأطير المنشود .
من النتائج الأولية لهذا التفكك المربك في الإقتصادات تراجعت نسب النمو عند عدد من الدول، فالولايات المتحدة الأميركية لن تحقق أكثر من 2,4 % نهاية 2022 بعد أن كان  5,7 % في 2021 ، والمجموعة الأوربية 2,6% بعد أن كان 5,4% سنة 2021، أما مجموعة الدول الصاعدة فقد حققت نسبة نمو 4,7% خلال سنة 2022 بعد أن كان 8,1% سنة 2021 .  
يظهر عبر كل ما سلف أنه علينا أن:
 
1- نعمل على جعل اقتصادنا متوازنا بتفعيل توجهات وبنيات متكيفة مع واقعنا الآني المنصهر مع الحاجيات الداخلية والمتفاعلة مع التطورات الدولية المتسارعة في فضاء التفاعلات الإجتماعية المكثفة عبر الشبكة العنكبوتية ومنصات التواصل الإجتماعي .
2- إن المغرب بلد غني جدا بموقعه الجغرافي الذي يوفر له كافة الظروف الإيجابية للتموقع على الساحة الإستراتيجية الدولية واستثمار موقعه هذا من أجل نسج شراكات اقتصادية ومالية كما هو الحال فعلا في عدد من المدن كطنجة off-shore وفاس وغدا بالعيون والداخلة . 
3- حبا الله المغرب بشواطيء تمتد على طول 3500 كلم وبسلسلة جبال روعة في الجمال وشبكة منابع ووديان وبحيرات وسدود ... تمكنه من تفعيل السياحة الداخلية والخارجية ليل نهار على امتداد 365 يوما .
4- المرور إلى تفعيل الجهوية المتقدمة في إطار تجربتنا الديمقراطية الفريدة التي تمنحنا الفرصة التاريخية للنهوض باقتصادنا عبر استغلال ثرواتنا الغزيرة إن في باطن الأرض أو على أديمها او في بحارها .
5- التركيز على الإستثمارات في القطاعات المنتجة والموفرة لتشغيل الأطر الجامعية والمتوسطة واليد العاملة على كافة امتداد بلادنا، وذلك بتشجيع الرأسمال الخاص الوطني والخارجي كالدول العربية الشقيقة بالخليج العربي، والدول الصديقة الشريكة في قيم النمو من أجل تحرير الإنسان من البطالة والعوز والفقر والخصاص أين ما وجدت في القارات الخمس .
إن بلادنا تزخر بموارد طبيعية كثيرة ومواقع طبيعية جميلة جدا ، لهذا أرى أنه علينا أن نقلب الأرض شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا من أجل استقطاب المستثمرين كي يحولوا رؤوس أموالهم تجاه بلادنا ، الوطن العربي المضياف بكل افتخار واعتزاز .
6- الإستثمار في الطاقات المتجددة من رياح وشمس ومياه بحرية استعدادا لتفادي كل الطوارئ المحتملة على ضوء ما يجري حاليا وعلى ما يمكن ان يحصل لاحقا ، لأن العالم أصبح على ابواب تغيرات ومتغيرات يصعب التنبؤ بما قد يليها .
7- من أجل تفعيل وإنجاح الإقتراحين السالفين (-5. و -6.)  علينا تطهير الإدارة ، مهما كانت منصاتها ، من كل من لا يحترم وطنه عبر التباطؤ في تدبير الملفات خصوصا الإستثمارية وعبر حمل وإجبار المستثمرين على الحصول على الرشوة كي تمنح لهم الرخص .
8- تكييف برامج التربية ومقررات والتعليم مع الحاجيات العصرية الوطنية مع الإرتباط مع قيم ثقافتنا القحة المبنية على الأسس الصلبة لحضارتنا العربية-الإسلامية العريقة ، فالشعوب الراقية المتحضرة هي التي بنت تقدمها على أسس وهياكل تاريخها المتجذر في القيم الأصيلة .
9- الدفع بالبحث العلمي من أجل التنمية المستدامة الذي يمكن الأمم من التحرر من التبعية العلمية، ويمكن هذا التوجه من خلق الإنسان الفاعل الذي يخلق المعجزات ، وذلك عبر تمويل وفتح وبناء المختبرات في الجامعات والمستشفيات ومراكز البحث في كل القطاعات .
10- القيام بنهضة حاسمة في تفعيل العقل والفكر المغربي عبر شحن الموارد البشرية بالإستجابة للطموحات المكتنزة هنا والطاقات الفائضة هناك عند النساء كما عند الرجال وعند الشباب كما عند كل الإرادات الوطنية مهما كان سنها ومهما كانت جهتها ومهما كانت انتماءاتها السياسية، فنحن المغاربة مواطنون وطنيون متشبثون بعرشنا وديننا ، فشعارنا الخالد الله-الوطن-الملك هو أساس وحدتنا وديمومة روح وجودنا .
هذه هي  المحاور العشرة - 10، التي أرى أنها تتجاوب مع المستجدات الإجتماعية والتطورات الإقتصادية المتسارعة التي فرضتها الظروف الدولية الآنية والتي تتطلب الإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة والإجراءات الضرورية من اجل تسريع وثيرة التنمية المستدامة المنسجمة مع الحاجيات الضرورية لمجتمع متغير باستمرار متفاعل مع محيطه العالمي الذي فعلا أصبح قرية واحدة صغيرة تتطلب تدبيرا خاصا محكما مع الإحتفاض بقوة بالغيرة المغربية الأصيلة من أجل المحافظة على الهوية الوطنية التي تكون القلب النابض للأمة المغربية .