ماذا سنخسر لو صحونا غدا على يوم جديد لا وجود فيه لفرنسا في فضاءاتنا الثقافية والتجارية والاقتصادية؟
للجواب عن هذا السؤال يتوجب إدراك ما جد من معطيات تهم وزن فرنسا التاريخي القديم، وثقلها العسكري والاقتصادي المزعوم اليوم.
ليست فرنسا سوى الاقتصاد الخامس في العالم. وهو ما يترتب عنه توالي فقدانها للأدوار الحاسمة في بناء الاقتصاد العالمي، ولأسواق دولية عديدة. وكل ما تبقى لها هو هذا الحضور التقليدي في مستعمراتها القديمة مثلما هو حال المغرب الذي لازال يشرب حليب فرنسا ويتغذى بأجبانها وزيتها، ويركب سياراتها، ويتواصل مع عدد من مؤسساتها البنكية والصناعية والتجارية، إضافة إلى التعامل اللامحدود مع شركاتها في مجالات التربية والتكوين والاتصال الهاتفي والبث التلفزيوني والسينمائي والتوظيف السياحي...
يترتب عن هذا الوضع كذلك قيام اقتصاد فرنسي غير معافى بعد ارتباك نسب النمو ومداهمة التضخم سنة بعد أخرى، خاصة بعد مرحلة الكوفيد والحرب الروسية الأوكرانية. إن المتتبع للواقع اليومي يقف على عناوين كثيرة لهذا الوضع المأزوم من بينها ضعف القدرة الشرائية، واحتداد التعبيرات الاحتجاجية على الصعيد القطاعي كما على الصعيد الوطني.
بارتباط مع ذلك لم تعد فرنسا ذات باع في المجال التكنولوجي قياسا إلى أمريكا وألمانيا وروسيا والصين واليابان وغيرها... ولم تعد قادرة على إقناع زبناء الأسلحة في العالم. كما لم تعد دولة سياحية قياسا إلى جارتيها إسبانيا وإيطاليا على سبيل المثال...
أما على المستوى الثقافي الذي يبرر به أولاد فرنسا من المغاربة تشبثهم بدولة ماكرون، فالمؤكد أن مصادر الفكر والإبداع لم تعد، على الصعيد العالمي، فرنسية لا على مستوى الفكر، ولا على مستوى الأدب والفن كما كان الحال أيام موليير وفولتير وهوجو وروسو...
فرنسا إذن لم تفقد فقط طاقتها في توليد الأفكار وتغذية الخيال الكوني. بل فقدت كذلك مكانتها على المستوى اللغوي، فسلم الترتيب الخاص بالمتحدثين باللغات، والمستعملين لها يضع الفرنسية في مكانة متدنية بعد الإنجليزية والإسبانية والصينية والهندية والعربية والروسية...
كما أن هذه اللغة صارت محاصرة يوميا بمفردات من المعجم الإنجليزي، وهو ما صار يفرض على مؤسسة الأكاديمية الفرنسية الاعتراف بتلك المفردات، وإدراجها ضمن القواميس.
أما على المستوى التعليمي فشبان العالم صاروا ينشدون الدراسة في معاهد أمريكا وإنجلترا واليابان وألمانيا وكندا وكوريا الجنوبية وفي غيرها.
وبالعودة إلى سؤالنا المطروح عند مطلع هذا الافتراض يكون الجواب أننا لن نخسر شيئا إذا ما تم فك الارتباط العاطفي والثقافي والاقتصادي مع فرنسا التي انطفأت الأنوار فيها. بل إن فرنسا هي الخاسرة لموطىء قدم آخر. وإن المؤكد هو أن تلك الخسارة ستسمح لنا بتنوع مصادر التمويل والإلهام، عوض التشبث بمرجعيات دولة واحدة كما لو هي الوحيدة على خريطة العالم.