إدريس الأندلسي: ...ولن ترضى عليك فرنسا حتى تكون ضعيفا!!

إدريس الأندلسي: ...ولن ترضى عليك فرنسا حتى تكون ضعيفا!! إدريس الأندلسي
اعترف المارشال اليوطي في مذكراته أن دخول المغرب لم ينته إلا في سنة 1936.. وقد قرأ أرباب الاستعمار كيف تكونت الدولة المغربية وكيف تحولت إلى إمبراطورية لم تصلها السلطة العثمانية التي لم تخرج من الجزائر إلا حين كان المستعمر الثاني جاهزا بقوة مهره وسلاحه.  قال اليوطي عند بداية احتلال المغرب أنه  وجد دولة بمؤسسات وطقوس. 
وبالطبع لم يقل هذا عن الجزائر التي عاشت في حواشي الإمبراطورية العثمانية قبل أن تستلمها فرنسا على طبق من تراب.
ومن هنا تظل القراءة الصحيحة لتاريخ الجزائر  متجددة باستمرار. خرج العسكر الفرنسي قبل ستين سنة ليعوضه عسكر تربى على قيم فرنسا الأم.  ومن هنا صلت فرنسا صلاة وداع على ماض تولى دفنته هي  وحلفاؤها  من الداخل في جبال الأوراس. وظلت وفية لمصالحها في  الجزائر وفي أفريقيا ودافعت بشراسة لكي يظلأذنابها تحت سيطرتها وفي الصفوف الأمامية  لحماية موقعها. فرنسا حقوق الإنسان نسيت الإنسان وتشبتت بمصلحة مصانعها ومصلحة أصحاب الرساميل المتحكمين في القرار السياسي والعسكري بل  وحتى التمويلي لبعض "المناضلين الحقوقيين" الذين يظنون أن  الغرب حليف دائم و مدمن على الوفاء لمساندي رسالاته. 
الغرب، وخصوصا من نعته كاتب الدولة الأمريكي السابق رامسفيلد، إبان حرب  الخليج بالقديم خلال الحرب ضد العراق،  لا زال يترنح وأصبح عديم الجدوى في إفريقيا. فرنسا أسوأ حليف أو مستعمر سابق يمكن أن يعول عليه. فرنسا تريد النعمة  وسب الملة.  فرنسا تتكلم كثيرا عن برامج التنمية وتنزعج من كل  نجاح يحققه أي بلد افريقي، و خصوصا المغرب، لاستغلال موارده الطبيعية  والمؤسساتية والبشرية  في تغيير منهج  وأسلوب تنميته. ولعل  الإزعاج  الذي أحدثه  التفكير  في نموذج  تنموي جديد  لدى  الدبلوماسية الفرنسية  خير  دليل  على أن  المهم  هو أن يعم الفقر المدقع كل أفريقيا لكي تظهر كالملاك في لحظات العسر. 
زار الملك محمد السادس عشرات الدول الإفريقية  وخاطب إخوانه بصدق. قال أن التعاون الذي لا يبنى على مبدأ "رابح-رابح" غير مقبول.  وقال ما هو أخطر بكثير على مصالح غرب تسكنه روح امبريالية يغلفها خطاب حول الحريات وحقوق الإنسان.  قال أن الإفريقي يجب أن يثق في الإفريقي.  وهذا ما أزعج المخابرات الأجنبية  وعلى رأسها من لا يزال وفيا للفكر الإستعماري. 
تم تسريب رسائل قيل أنها كانت موجهة إلى رئيس فرنسا ماكرون من مخابراته الخارجية. أكدت هذه المهاترات أن افتعال مشكلة التأشيرات فشلت.  وطلبت من فخامة الرئيس المرور إلى مرحلة أكبر  وأقسى  وأخطر للدفع بالمغرب إلى الإذعان. رئيس هذه المخابرات قد يكون قد  اقترح كل شيء يمكن من إضعاف قرار المغرب إلا الهجوم النووي.  وصلت درجة الخبث في اقتراحات مدير المخابرات الفرنسية المفترضة إلى حد فضح المسؤولين المغاربة ذوي الحسابات والممتلكات بفرنسا إلى أن هذا الفضح قد يؤدي إلى إحداث فوضى بالمغرب.  وهذا يدل أن فرنسا تتستر على المجرمين منذ زمان  وأن تحريكها لملفات فساد مالي  وأخلاقي لا هدف له إلا  إحداث فوضى  وزعزعة استقرار المغرب. 
وقد ينقلب السحر على الساحر. القانون الفرنسي واضح في موضوع تبييض الأموال  والمؤسسات الأوروبية  تفرض على جميع أعضائها الإلتزام بمبدأ الشفافية.  وكل مغربي حر لا يريد من كل دول العالم إلا فضح المفسدين  وعدم التستر عليهم. وسياسة التستر التي تتبناها فرنسا على جنيرالاتها  بالجزائر  عقيدة متجذرة. 
أما ما يتعلق بالتصوير للقاءات حميمية لمسؤولين فهذا لا يهم المواطن المغربي. وقد تكون مخابرات فرنسا تغذي  خطاب الحركات الإيسلاماوية بصور أو أفلام  فضائحية لا علاقة لها بالعلمانية كدستور للدولة  وسلوك لا زال المجتمع  لم يجمع عليه. 
التسريبات التي أخذت شكل توصيات مفترضة  للرئيس تبين درجة الخذلان التي تبنى عليها القرارات الفرنسية. خطير جدا أن تعتبر فرنسا أمريكا  وإسبانيا  وألمانيا  وإسرائيل عدوة لمصالحها.  تقول الرسائل المخابراتية أن التسهيلات التي كانت تحصل عليها فرنسا بالمغرب أصبحت في خبر كان،  وتزيد بأن افتعال مشكل  التأشيرات لم تكن له آثار على موقف المغرب. 
أتذكر قصة المخابرات السوفياتية مع الرئيس سوكارنو، رئيس  إندونيسيا  السابق، الذي قال بعد أن تمعن في الصور التي قدمها إليه مسؤول  الكيجيبي  والتي تظهره وهو يمارس الجنس مع عميلات سوفياتيات،  سأكون سعيدا و أنا أظهر هذه الصور إلى شعبي الذي سيفتخر بمستوى فحولتي. وتراجعت المخابرات  ولكنه ذكر ما تعرض له من ابتزاز من جراء مساهمته في قيادة حركة عدم الانحياز.  
فرنسا ماكرون تريد أن نختفي من إفريقيا  وأن نعلن التوبة على تحريضنا للاعتماد على النفس  وعلى ضرورة التضامن الإفريقي لإنتاج الثروة وتثمينها.  فرنسا ماكرون  كما كانت فرنسا ميتران  وشيراك  وساركوزي  وهولاند  تريد أن تسطو على سوق صفقاتنا بأسعار تتجاوز كل المعايير التي تنظم الصفقات بفرنسا.  القطار السريع بين مراكش  وأكادير يسيل لعاب ممولي الحملات الانتخابية والذين لا يعيرون أي إهتمام لأسعار المنافسة.  أعداؤنا الحقيقيون هم من يعبرون لنا عن حبهم لبلادنا  وبالخصوص لمطبخها  وفنادقها  وكرم أهلها. لكن حين يرون أن القرار السيادي يتوجه إلى الفاعلية والدفاع  عن المصالح الوطنية يكشرون عن أنيابهم  الإمبريالية بكل وضوح. 
حين نقرأ ما قيل أنه رسائل مخابراتية إلى ماكرون  ونعير عن كرهنا لأسلوبها  ومضمونها، نتمنى أن تصل الجرأة إلى فضح كل من تلاعب بمصالح الشعب المغربي. القانون يحرم أي تملك لحسابات أو  عقارات أو سندات أو حصص في رأسمال على أي  مغربي مقيم بالمغرب كما يعرفه  القانون  و قواعد المحاسبة الوطنية.  أن تهدد فرنسا بكشف الحسابات  والممتلكات لبعض الشخصيات المهمة فهذا شيء جميل  ويحمل خدمة لإقتصاد المغرب. وهو في نفس الوقت مؤشر على عدم امتثال فرنسا لقواعد الشفافية المالية  التي فرضت لمحاربة تبييض الأموال  وتنشيف كل مصادر تمويل الإرهاب.  
لن تقدر فرنسا على خلق جو الفوضى بالمغرب.  ولعلمها فالتظاهرات ذات الأبعاد المطلبية أو تلك التي تعارض الاختيارات الرسمية تعد بالمئات  سنويا.  المغرب كغيره من الدول يعيش على إيقاع  الحركات الإجتماعية.  ولقد حاولت بعض المصالح الخارجية أن تغذي أحداثا في الشمال الشرقي للمغرب  ولم تنجع  وانتهى بها المطاف إلى اعتقال من كانوا  وراءها من تجار المخدرات. فشكرا لمخابرات فرنسا على فضح نجاحات المغرب الإقتصادية والدبلوماسية  والعسكرية. 
أما زعزعة المجتمع  وتسخير العملاء لكتابة التقارير حول حقوق الإنسان فلن يجدي نفعا.  لا تظنوا أن المواطن المغربي  والجمعيات المهتمة بحقوق الإنسان غافلة عما تفعلون.هذه الجمعيات المواطنة  والمعارضة  وذات الخطاب المشروع لا تسعى وراء تمويل  ولا تريد غير محاربة الرشوة  والدفاع عن حقوق الإنسان. لا تشتغل دائما في ظروف مواتية ولكنها تظل صامدة. أما اؤلئك الذين يكتبون التقارير مقابل أموال وأسفار وحضور مؤتمرات فأتمنى أن يصلوا إلى التفريق بين أهداف جمعياتهم مرحبا الوطنية  وأهداف  تخفي الامبريالية الجديدة صاحبة مشروع قتل كل محاولة للإصلاح  الحقيقي. 
وللمتابعين للعلاقات الثنائية مع فرنسا نسوق تلك التحفة اللغوية التي ارتجلها الراحل الحسن الثاني حين قال بعد لقائه بالرئيس الفرنسي أنه جاء للاستماع إلى نصائح الأصدقاء  وأن الأسلحة موجودة في كل الأسواق. الكل يعرف أن فرنسا لم تعد تحتل مكانا في الطلب على أسلحتها. 
ولنا في تراجع أستراليا عن صفقة غواصات فرنسية  وصلت قيمتها ما يزيد عن  60 مليار يورو، عن موقع باريس في سوق الأسلحة.  
أما التهديد والوعيد  والنصيحة المسداة إلى ماكرون لكي يمر إلى السرعة القصوى للحد من طموح المغرب في مجاله الإقليمي والسعي إلى دفع الدول الأوروبية إلى عدم الإعتراف بمغربية الصحراء أو اعتبار مقترح الحكم الذاتي ذا مصداقية  وجدية، فهذا يبين بشكل واضح أن فرنسا ليست حليفة لنا  وأنها تسعى إلى خلق التوترات بالمغرب الكبير  والحفاظ على مصالحها فيه.  ولعل جواب ماكرون على سؤال العلاقة مع المغرب  وتسرعه في تحديد تاريخ زيارته فيه كثير من الجهل أو الاستهزاء المقصود بالأعراف  الدبلوماسية. كثير من المواطنين المغاربة ندموا على تسجيل أبنائهم في المدارس الفرنسية بعد أن صدموا برفض تأشيرة من أجل الدراسة. 
شكرا ماكرون لأنك ستجعل الإقبال على التعليم الفرنسي في تراجع.  وستحد من توسع عرض المؤسسات المرخص لها من فرنسا  وإنهاك جيب المواطن الحريص على نجاح أولاده. وبالطبع لا يمكن السكوت عما أصاب المدرسة المغربية من آفات بيداغوجية  وضعف تربوي  وتردي مستوى التأطير.  لم تعد فرنسا ذلك النموذج الذي وعد به ميتيران الاشتراكي والمناضل من أجل الديمقراطية.
بعده رجعت الأمور إلى المنطق التبعي وفرض الصفقات مقابل دعم سياسي أو استقرار داخلي. ولقد جاء الوقت لقطع الحبل السري مع فرنسا  وتنظيم العلاقات على أسس جديدة  ومتساوية.