فبعد الخروج "المذل" لقواتها، وبعد فشل مهمة القوات الخاصة الإيفوارية، توجه النيجر وبوركينافاسو اتهاما صريحا للحكام العسكريين بالتراخي في مواجهة الحركات المشرفة على العمليات الإرهابية بالمنطقة.
أعتقد أن التوتر في منطقة الساحل يزادد وينذر بتصعيد عسكري محتمل ضد انقلابي مالي.. زيارة ماكرون الأخيرة لغرب إفريقيا قد تكون مهدت إلى احتمال تشكل تحالف إقليمي يسير في هذا الاتجاه؛ علما بأن الحكام الجدد بمالي مدعمون بروسيا عبر الفاغنر.
أظن أن الجامع بين مصالح دول غرب إفريقيا والذي يدفعها للحفاظ على تحالفها التاريخي مع فرنسا لا يتعدى اليوم تأمين تلك الدول.. والسؤال الذي يطرح الآن بعد ازدياد حضور روسيا والصين وبدرجة أقل تركيا بالمنطقة: هل ما تزال فرنسا قادرة لوحدها على لعب دور "الواقي العسكري"؟
وإذا كان الجواب بالنفي، فهل فرنسا في حاجة للجزائر لتدارك جزء من هذا العجز، خاصة على المستوى المخابراتي؟ وهل الجزائر مستعدة الآن للمغامرة بمصالحها مع روسيا في منطقة الساحل لصالح فرنسا التي لم تكن علاقتها بها دائما على وئام؟
وإذا سلمنا بإمكانية انفتاح الجزائر على عرض فرنسا، فهل ستتأثر بذلك مصالح المغرب مع فرنسا والاتحاد الأوروبي؟
بالمحصلة، ينذر التودد للجزائر في هذا السياق الجيوسياسي المتسم بالتبدل السريع والمسترسل في المواقف وفي العلاقات الدولية، بأن الاتحاد الأوروبي بين نارين ستدفعه تارة إلى تجاوز الإحراج مع الجزائر بغاية تأمين سيناريو فرنسا "المكبولة" في منطقة الساحل؛ وتارة أخرى تدفعه إلى تقدير شراكته الاستراتيجية مع المغرب.
في نفس السياق، لا ننسى أن التقارب الملفت مؤخرا بين إيطاليا والجزائر بخصوص تدفق الغاز في الخط البحري الشرقي، وتوقيع مذكرة التفاهم بين نيجريا والجزائر والنيجر بخصوص مشروع أنبوب الغاز الرابط بين جنوب نيجريا وأوروبا، يزيد فرنسا "لهفة" و"غيرة" تدفعها إلى البحث عن السبل الأكثر براغماتية في تحصين علاقاتها التاريخية مع الجزائر.
ما صرحت به قبل وصولها الرباط في الزيارة الأخيرة لوزيرة خارجية ألمانيا تؤكد هذا الموقف المركب للاتحاد الأوروبي. "يعتبر المغرب بلداً رئيسياً لألمانيا وأوروبا (...) وسيلعب دوراً مهماً في المستقبل بخصوص قضايا الهجرة من القارة الإفريقية وتوليد الطاقات المتجددة".