الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (8)؟

الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (8)؟ الفنان حسن الزرهوني رفقة الزميل أحمد فردوس ولوحة تشكيلية معبرة

بساحل "الكاب" بشاطئ البدوزة، ومن فضاء محرابه الفني الذي يعكس مدى عشقه للثقافة والفن والموروث التراثي المتعدد والمتنوع، استقبل الموسيقي والفنان التشكيلي حسن الزرهوني جريدة "أنفاس بريس" بابتسامته العريضة التي تحكي عن مسار رجل طيب وإنساني، مواظب على خلق الحركة والنشاط والحيوية داخل مرسمه الفني.

حسن الزرهوني الذي خبر ركوب البحر وأمواجه، وامتطى صهوة الريشة والألوان الزاهية، ليترجم أحاسيسه إلى أنغام بأوتار تروي سيرة الإنسان والمجال في علاقة مع أحداث ووقائع التاريخ المحلي والوطني، التي كتبت بطولاتها وملاحمها فرسان أرض الحصبة في زمن الظاهرة القايدية.

في هذا السياق نقدم للقراء سلسلة حلقاتنا مع ضيف الجريدة الذي سيجيب من خلالها عن أسئلة تروم تصحيح الخلط الذي وقعت فيه المنابر الإعلامية وامتد إلى الإنتاج الدرامي والمسلسلات والأفلام والمسرحيات التي كتبت نصوصها وتم إنتاجها وتسويقها ارتباطا بشخصية وعيطة "خَرْبُوشَة"؟

لقد تحدثت منابر الإعلام السمعي والبصري والمكتوب عن "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ والمغنّية بإطناب، وتناولت علاقتها بالقائد الكبير عيسى بن عمر العبدي التمري البحتري، وانتفاضة أولاد زيد ضد نفس القائد، حيث تم إسقاط قصيدة بأكملها على أن الشِّيخَةْ "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبتها، وامتد هذا الخلط والإسقاط إلى بعض المسلسلات والأفلام والمسرحيات التي تناولت الموضوع، حتى أصبح المتلقي يؤمن بأن "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبة هذا الكلام. وقبل تصحيح هذا الخلط والإسقاط لابد أن نطرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية ذات الصلة:

هل فعلا "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟ وهل عيطة "خَرْبُوشَةْ" هي من إنتاج الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ؟ وهل الأبيات الشعرية التي ألّفتها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ هي نفسها المذكورة في عيطة "خَرْبُوشَةْ"؟ وكيف تم تأليف عيطة خَرْبُوشَةْ؟ ومن هي حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟ ومن هي خَرْبُوشَةْ اَلشِّيخَةْ أو اَلْعِيَّاطَةْ أو اَلْمُغَنِّيَةْ؟

يقول مطلع قصيدة عيطة خربوشة: "خَرْبُوشَةْ واَلْحَمْرَةْ وزَرْوَالَةْ ولَكْرَيْدَةْ وُهُمَا رَبْعَةْ مَحْسُوبِينْ أَعَبْدَةْ جِيبُوا الزِّينْ يَا سِيدِي".

 

بعد تناولنا في الحلقات السابقة بالدراسة والتحليل للشخصيات النسائية اللواتي شكّلن "رْبَاعَةْ" الشِّيخَاتْ اَلْعِيَّاطَاتْ برآسة الطَّبَّاعَةْ الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ، رئيس الفرقة الموسيقية النسوية، ومن خلال حديثنا عن الشِّيخَةْ حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ اَلْعَبْدِيَةْ يتبين أنها شخصية مستقلة بذاتها وجسدها وروحها ومسارها الفني، وليست هي الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ، رائدة الفرقة الموسيقية النسوية التي اشتهرت بعيطة "خَرْبُوشَةْ"، في الوقت الذي أكد فيه مجموعة من الباحثين والفنانين والمهتمين بفن العيطة المغربية عموما والعيطة الحصباوية على الخصوص، من خلال مقالاتهم و كتاباتهم الأدبية وتأملاتهم الفكرية ودراساتهم التحليلية، بأن الشِّيخَةْ "حَادَّةْ" الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ هي نفسها الشيخة "خَرْبُوشَةْ"، وهي حاملة إسم "لَكْرَيْدَةْ" كذلك، وهي أيضا نفسها "اَلْحَمْرَةْ" وهي "زَرْوَالَةْ".

الاستثناء الوحيد والمتفرد الذي تناول هذا الموضوع هو الباحث الأكاديمي الكاتب والصحفي الدكتور حسن نجمي الذي أكد من خلال أطروحته المعمقة والمستفيضة والقيمة حول "النص الشعري الشفهي لغناء العيطة والموسيقى التقليدية في المغرب"، أن إسمها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ الزَّيْدِيَةْ أو الشِّيخَةْ "حْوِيدَّةْ" كما تم ذكرها في الرسالتين الموجهتين من القائد بوزيد بن بوبكر إلى الصدر الأعظم أحمد بن موسى (أبَّا حْمَادْ).

لقد بدل الباحث الدكتور حسن نجمي مجهودا جبارا في التنقيب على هذه المادة التاريخية من الخزانة الملكية، ويرجع له الفضل الكبير في البحث عن عدة وثائق من بينها الرسالتين المذكورتين، وتوثيق مضمونها، حتى أضحت المعلومة ذات الصلة بالموضوع، متداولة وفي متناول الأوساط المهتمة بالعيطة المغربية، وتاريخ عبدة وفن العيطة الحصباوية خصوصا.

من جهة أخرى، فقد ورد في العيطة الحصباوية اسما آخر لـ "حَادَّةْ"، نجده في "بَرْوَالْ" أُضيف للعيطة الحصباوية في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، خصوصا في خاتمة عيطة "رْجَانَا فِي اَلْعَالِي"، أو في عيطة "مُوسَى بَنْ مُوسَى"، وكذلك في خاتمة عيطة "خَرْبُوشَةْ". حيث يقول هذا اَلْبَرْوَالْ: "يَوْ حَادَّةْ يَا حَادَّةْ. هِيَ وَالنَّخْلَةْ مْـﯕَادَّةْ. هَاذْ السَّالَفْ فِيهْ ﯕَـامَةْ. مَرْشُوشْ بِالْوَرْدْ وُالَخْزَامَةْ. هَاذِي زَرِّيعْةْ النْبِي خَالَقْهَا مُولَانْا".

وحادة المذكورة في هذا "البروال" هي الأخرى شيخة أصلها من دوار الجدور، المتواجد بقبيلة العامر، كانت تنتسب إلى عائلة ميسورة لكنها تمردت على الواقع، وعلى أهلها وعشيرتها وقبيلتها بسبب عشقها الفن الشعبي وخوصا العيطة الحصباوية، والعيطة الحوزية. وكانت الشيخة "حادة" تتميز هي أيضا بصوتها الرخيم وإتقانها لأذاة الإيقاع المتمثلة في آلة "الطعريجة"، فهجرت عائلتها رغم صغر سنها، حيث حطت بها الرحال بمدينة الجديدة فكان لقائها مع الشيخ إسماعيل الذي عشقها وتزوجها، فكونت معه فرقة موسيقية أطلق عليها اسم مجموعة "حادة وإسماعيل".

في سياق متصل فقد كان الشيخ إسماعيل عاشقا ومغرما بالشيخة حَادَّةْ، وهو الذي ألف "اَلْبَرْوَالْ" الذي تغزل فيه على محبوبته حين قال: ""يَوْ حَادَّةْ يَا حَادَّةْ. هِيَ وَالنَّخْلَةْ مْـﯕَادَّةْ. هَاذْ السَّالَفْ فِيهْ ﯕَـامَةْ. مَرْشُوشْ بِالْوَرْدْ وُالَخْزَامَةْ. هَاذِي زَرِّيعْةْ النْبِي خَالَقْهَا مُولَانْا".

إن توظيف الشاعر لـ "النخلة" وتشبيهها بمحبوبته كان الغرض منه، هو تمرير وصف قامتها الطويلة، على اعتبار أن النخلة ترمز عند شعراء الغزل البدوي التجبّر، والعلو والشموخ، والرفعة، ووفرة الغلة، والمناعة من أيدي العابثين، ورمزية المعشوقة الكامنة في النخلة وما يحيط بها من معاني الخصوبة الأنثوية المتمثلة في رشاقتها ورقتها وسحر جمال شَعْرِهَا المنساب على طول قامتها، و ينتقل من التعبير والإيحاء الجسدي إلى التعبير المادي المتمثل في الورود، وزهرة الخزامى التي تزين بها النساء شعرهن كرمز للبهجة والسرور والتفاؤل في النفس حيث ترسم الزهور البسمة على وجه كل من ينظر إليهنّ. ثم ينهي الشاعر هذا "بَرْوَالْ حَادَّةْ" بالشذرة القائلة: "هَاذِي زَرِّيعْةْ النْبِي خَالَقْهَا مُولَانْا"، حيث يصف محبوبته التي سلبت عقله كأنها حُورِيَةٌ تجاوزت كل ما هو دنيوي.

إن هذا "اَلْبَرْوَالْ" لا يتعلق ولا يتحدث عن الشِّيخَةْ حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ الْعَبْدِيَةْ، بحكم أنه أضيف مثل غيره من "اَلْبَرَاوِيلْ" الأخرى من أجل إعطاء نفس للعيطة الحصباوية، وأيضا من أجل ضمان تنوع الإيقاعات والْحَطَّاتْ والإنتقالات، حيث يتم تمديد زمن أداء العيطة من خلال توظيف هذه "اَلْبَرَاوِيلْ"، ثم يعود الشِّيخْ الطَّبَّاعْ أو الشِّيخَةْ الطَّبَّاعَةْ إلى الْحَطَّاتْ الأصلية في أفق اختتام العيطة. وقد تطول بعض العيوط الحصباوية لليلة واحدة بالتمام والكمال، كما هو الشأن في نوبة الأندلسي، كنوبة "رَمْيْ اَلْمَايَةْ" والتي تؤدى في زمن لا ينقص عن 11 ساعة .

في الحلقة القادمة سنجيب عن سؤال: لماذا لقبت "حَادَّةْ" بـ "الزَّيْدِيَةْ"؟ ومن هم أولاد زيد؟ 

ملاحظة لها علاقة بما سبق : نتوجه بخالص التحية والشكر للشاعر و الباحث الأكاديمي والكاتب الصحفي حسن نجمي على تعاونه الجميل وتوجيهاته القيمة والنيرة، وهو يقرأ و يتابع نشر هذه الحلقات التي نتمنى أن نوفق في تقديمها للقراء على طبق بنفحات عشق الموروث الثقافي في سق العيطة المغربية عامة والحصباوية خاصة.