كريم مولاي: لماذا يزور ماكرون الجزائر ولماذا لا يعتذر للجزائريين؟

كريم مولاي: لماذا يزور ماكرون الجزائر ولماذا لا يعتذر للجزائريين؟ كريم مولاي
يستعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيارة الجزائر قريبا في ظل أزمة عالمية غير مسبوقة يعرفها قطاع الطاقة، على نحو تعيش فيه أوروبا مخاوف من شتاء قاس قد لا تجد له المعونة الكافية مما تحتاج من طاقة للتدفئة ولمواجهة تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا التي لا يبدو أن لها أفقا للنهاية قريبا.
لم تندمل الجراح التي خطتها تصريحات ماكرون نفسه عندما أهان الجزائر والجزائريين، بالقول إنهم لم يكونوا أمة قبل الاستعمار الفرنسي، وهي تصريحات قاسية لم تبددها تراجعات وزيره للخارجية، إيف لودريون، حين تأسف عنها بطريقة لا يمكن ألأن تفهم على أنها اعتذار.
لا أحد من الجزائريين ولا من المراقبين لتطورات الوضع السياسي في الجزائر خاصة ولا في منطقة الساحل الإفريقي بشكل عام، يمكنه إلغاء الدور الفرنسي، الذي مازال عنصرا فاعلا على الرغم مما اعتراه من تراجعات كبيرة بسبب عوامل فرنسية داخلية تتصل بالصراع السياسي القائم بين اليمين المحافظ واليسار الطامح للعودة مجددا لتصدر المشهد، وبين شعبوية تسللت في غفلة من صراع القوى السياسية إلى مراكز القرار.. وبسبب منافسة دولية بعضها تحت الطاولة وكثير منه تحول إلى علني نراه نحن بالعين المجردة في شكل شركات صينية عملاقة أو أسلحة روسية قادرة على الفتك بالدم الإفريقي الأسمر.. 
ولا ننسى الجرح الفرنسي الذي كان له أثره البالغ حين غيبت الولايات المتحدة الأمريكية باريس عن تحالفها الأمني الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث اكتفت أمريكا بالتحالف مع بريطانيا وأستراليا، التي تراجعت عن صفقة أبرمتها في 2016 مع مجموعة "نافال غروب" الفرنسية للصناعات الدفاعية لشراء غواصات تقليدية، لكي تحصل في إطار شراكة أبرمتها لتوِّها مع الولايات المتحدة وبريطانيا على غواصات تعمل بالدفع النووي، هو "قرار مؤسف".
ليس ذلك وحسب، ففرنسا الذي يسعى رئيسها لإحياء علاقات بلاده بالجزائر، تعيش أزمة كبيرة مع بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي بشروطها، ولازالت تسعى لفرض شروطها على فرنسا على الرغم من كل التداعيات الاقتصادية لذلك على بريطانيا وفرنسا معا..
أما الجزائر التي لم تخرج بعد برؤية واضحة من علاقتها بحراك استمر لمدة عامين، ولازالت ناره خامدة تحت الرماد، حيث مازال صراع الأجنحة داخل الطبقة الحاكمة هو سيد الموقف، على الرغم من كل محاولات الهروب من مواجهته بوضوح عبر سياسات خارجية لا مبرر ولا منطق يحكمها إلا أنها ثأرية ومحاولة مكشوفة للتغطية عن صراع دموي لم تحسمه بعد قوى الحكم النافذة.
على غير هدي دعم الرئيس تبون نظيره التونسي قيس سعيد في الانقلاب أولا ثم في الاستفتاء على الدستور ثانيا، ثم بفتح الحدود البرية مع تونس ثانيا أمام السياح الجزائريين الذين أحجموا عن السفر إلى تونس، ليس فقط بسبب الأوضاع المتقلبة التي تعرفها تونس، وإنما بسبب خواء الجيوب من التمويل الكافي للسفر في ظل موجة غلاء غير مسبوقة عصفت بمقدرة مختلف الطبقات الشعبية الجزائرية.. 
وفي ذات الطريق أرسل النظام وزير خارجيته إلى دمشق في محاولة بائسة لإعادة تأهيل نظام بشار الأسد الذي قتل وشرد الملايين من شعبه، ولازال يجثم على صدور السوريين بدعم خارجي معروفة القوى التي تقف خلفه.. 
ولا ننسى الدور الذي لعبته الجزائر في مالي سواء بمساعدتها للقوات العسكرية الفرنسية سابقا، أو بتسهيلها دخول جماعات الفاغنر الروسية المعروفة.. 
وبين مواقف الرئيس تبون التي يعلنها عبر الحوارات الصحفية شديدة الترتيب، وبين جولات قائد الجيش السعيد شنقريحة، رفض النظام الجزائري مقابلة اليد المغربية الممدودة بيد مماثلة، وهو الأمر الذي يجعل من الرهان على أي فعل جزائري على الأرض مجرد وهم لا يقدم ولا يؤخر شيئا.
ولا أعتقد أنه من الوارد لا سياسة ولا عقلا، أن تطالب سلطات الجزائر بشقيها العسكري والمدني، الرئيس ماكرون بتغيير سياسته تجاه المغرب، ولا أن تفرض عليها الانحياز إلى الموقف الجزائري الداعم لجبهة البوليساريو، فالفرنسيون براغماتيون أولا، وأقوياء عندما يتعلق الأمر بعلاقاتهم مع مستعمراتهم القديمة، لا سيما في الجزائر المحكومة بتاريخ دموي طويل تملك فرنسا الكثير من أوراقه في دهاليزها الاستخباراتية والأمنية..
لا أخفيكم سرا أنني كجزائري أولا وكمواطن عربي ثانيا كنت أتمنى أن تكون تشترط الجزائر على الرئيس ماكرون الاعتذار للجزائريين أولا على موقفه المهين تجاههم، ولكن ما كل ما يتمناه الحر يدركه، فهذه الاشتراطات لا تأتي من فراغ وإنما من فعل تراكمي تبنيه الإرادة السياسية والوطنية الخالصة من كل شوائب الفساد والأنانية الذاتية التي لازالت تهيمن على قرار الجزائر..
كريم مولاي،خبير أمني جزائري/لندن