مَحمد المذكوري: الجماعات المحلية ومخيمات الأطفال (3)

مَحمد المذكوري: الجماعات المحلية ومخيمات الأطفال (3) مَحمد المذكوري
في إطار دعم تعميم التخييم وتأسيس مخيمات الأطفال في كل المناطق، تعالوا نتصور أن الجماعة المحلية باعتبار ارتباطها بالمواطن واعتبار اختصاصاتها الذاتية والمشتركة (كما سنبين لاحقا) من حقها انشاء وتنظيم مخيمات لفائدة أبناء مستخدميها وساكنيها في الجماعة أو لدى جماعة أخرى.
هناك في المغرب في المجموع ضمن 75 عمالة وإقليم توجد 1503 جماعة منها 1282 قروية، فلو أن برنامجا وطنيا اسند للجماعة المحلية مسؤولية انشاء وتنظيم مخيمات تربوية بمجالها الترابي ليس فقط لأبناء مستخدميها بل لكل أبناء الساكنة، وساندها بمخطط استثماري، وأن تبرمج في ميزانيتها ابوابا لدعم المخيم وتسييره ضمن نشاطاتها الاجتماعية، ولنتصور أن السنة الأولى بغض النظر عن المنشئات القائمة الآن ستنشئ العمالات ال 75 كل عمالة مركزا أولا ثم ينظم بعد ذلك برنامج انشاء مراكز في نصف الجماعات التابعة لها على الأقل، على مدى خمس سنوات فانه في نهاية البرنامج سيكون لدى المغرب حوالي 800 مركز تخييمي "جماعاتي". أو تتولى الجماعة بحكم البرنامج تهيئة مؤسسات قائمة وتحولها وتعدها لتصبح قابلة لاستقبال وايواء مجموعات الأطفال لمدة من الزمن ببرامج هادفة وواضحة ومسؤولة وتحت رعاية ورقابة ومعايير قانونية معروفة ومضبوطة.
إن الهدف من هذه العملية هو المساهمة الفعلية في أهداف التنمية البشرية التي تنطلق من تنمية المعرفة والمهارات المكتسبة من خلال دعم نظام التعلم، بالإضافة إلى تدريب الشباب، والعيش في بيئةٍ صحيّةٍ بتقديم خدماتٍ أساسيّةٍ يحتاجها الإنسان، وتوفير مرافق الرعاية الصحيّة، والخدمات الوقائيّة والطبيّة، والرعاية المختصّة بكلّ مرحلةٍ من مراحل حياة الإنسان العمريّة.
وهو كذلك يدخل ضمن أهداف حقوق الطفل حيث نصّت المادة 31 من اتفاقية حقوق الطفل على "تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ، ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنّه". كما أنّ على الدول الأطراف، بحسب الاتفاقية، أن تحترم وتعزز حق الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية والفنية وتشجع على توفير فرص ملائمة ومتساوية للنشاط الثقافي والفني والاستجمام وأنشطة أوقات الفراغ.
وحيث أن اختصاصات الجماعات المحلية في بلادنا ومجالسها واسعة تتوزع بين ذاتية ومشتركة ومنقولة: وتتضمن إحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب ومن بينها: مراكز التخييم والاصطياف، ومن ضمن الاختصاصات المشتركة: إحداث دور الشباب ودور الحضانة ورياض الأطفال والمراكز النسوية ومراكز الترفيه والمركبات الرياضية والمسابح...
فإن انشاء واحداث المخيمات يدخل ضمن اختصاصها، ويبقى فقط برمجة ذلك وأجرأته بعد الاقتناع بأهمية ودور المخيم في التنشئة الاجتماعية، والانتقال من دعم المخيمات كما يجري اليوم باعتماد فقط صيغة دعم نقل الأطفال كعمل يدبره المستشارون بمعرفتهم وعلاقاتهم بالجمعيات المستفيدة الى دعم حقيقي للفعل التربوي داخل الجماعات بتخصيص دعم مادي للعاملين في قطاع التنشيط التربوي والثقافي خارج مناسبات المواسم الفلكلورية، الى فعل مستمر في الزمان وخلق تبادل حقيقي مع جماعات أخرى في اطار التنسيق والتوأمة، ويكون ذلك في المرحلة الأولى على الأقل لأبناء الموظفين والمستخدمين لدى الجماعات ومؤسساتها للتدبير المفوض، ريثما يتم البث في طرق ووسائل دعم الاسر الراغبة في بعث أبنائها لهذه المخيمات، والاستفادة من الاعمال الاجتماعية بصفة عامة لساكنة الجماعة.
إن احداث وانشاء مخيمات ليس فقط بالبناء والتشييد ولكن بتأسيس هيئات ودعم هيئات قائمة وربما حتى بنظام التدبير المفوض تتكفل بالموضوع وتسخر له تنظيمها وطاقاتها وتدعمها المجالس المنتخبة من خلال برمجة مالية ودعم فعلي ومواكبة.
وهكذا يمكن أن يتم استقبال الأطفال من خلال مخيمات يومية بدون مبيت أو بالمبيت بتوفير منشئات ملائمة وآمنة وكل الجماعات يمكنها أن تنشئ مخيمات ليس كالسعيدية أو مازاغان أو توفليحت أو راس الماء، وليس بالضروري مركبات سياحية سيدفع أعضاء الجماعة الى التفكير في استثمارها في السياحة العمومية عوض المخيمات، ويمكن تعبئة إمكانات محلية من مدارس ومجموعات مدرسية وتجهيزات إقامة المواسم من خيام وأفرشة وما تلاها لإنشاء هذا المخيمات واستقبال الأطفال لإقامة ملائمة وتدبير أمر تغذيتهم مع قطاع التربية الوطنية وقطاع الشباب المسؤول الوصي على المخيمات. 
وكذا إقرار برنامج تبادل مخيمات وأطفال مع جماعات أخرى واستقبال جماعات الأطفال من جماعات التوأمة والجهات المتمكنة من هذه البرامج، ومن جهة أخرى يمكن تعبئة إمكانيات برنامج التنمية البشرية وبرنامج أوراش في إطار تعبئة إمكانيات مادية لا بأس بها لدعم برامج الإنشاءات بالتتالي في جماعات ضمن عمالات أو أقاليم ثم في جماعات ثانية وثالثة في سنوات لاحقة.
سيقول قائل أن هذا "الحلم" بعيد المنال بحكم قضية الأولويات والامكانيات في هذا الموضوع والاختيارات السياسية، وأن الجماعات التي ليس لها مقر للسوق الأسبوعي أو مستوصف يصعب أن تغامر في انشاء مخيم ولكن هذا مرتبط بمكانة المجتمع المدني ومرافعته على هذا الملف وانخراط أبناء الجمعيات التربوية في العمل الجماعي على هذه الخلفية وقوة اقناع التنظيمات المشكلة للجماعات من جهة وفي الاختيار الاستراتيجي لخطة متكاملة في الموضوع على المستوى الوطني تحدد الاسبقيات والبرمجة والاختيارات، والى ان انشاء المخيمات يجب أن ينظر اليه كذلك من جانب استثماري وتشغيلي فسيخلق فرص شغل قارة وموسمية وسيخلق تداول ثروة محلية واشعاع بالجماعة لدى الآخرين ...
وانسجاما مع التوجهات السياسية الكبرى في بلدنا الرامية إلى نهج سياسة جهوية متقدمة ولامركزية محكومة بتضامن وتفاعل الساكنة ومواردها فان إدراج الهيئات المنتخبة محليا و إقليميا وجهويا كطرف فاعل في العملية التخييمية سواء بدعم مجهود المنظمات العاملة في مجال التخييم بتوفير وسائل النقل إلى المخيمات بالمغرب وخارجه ودعمها بمنح تشجيعية وتجهيزات ووسائل تربوية ومادية، أو بدعم مساهمات تغطية مساهمات الأطفال ساكنة الجماعة في إطار سياسة اجتماعية، أو بتشجيع الشباب على الانخراط في هذا العمل التربوي بتمويل حاجياتهم، أو بالعمل على تأسيس فضاءات للتخييم في كل الجماعات ووضعها رهن إشارة العاملين في الميدان التنشيطي السوسيوتربوي، وتوأمتها مع الجماعات الأخرى لتبادل لأطفال والزيارات للإجابة على رغبة السفر وتغيير الجو كعنصر من عناصر التخييم، واقتراح معادلة مقدار مالي مساعدة عن كل طفل يسجل من الجماعة في تجاه أي مخيم كوسيلة لتشجيع الجمعيات وللرفع من أعداد أطفال الجماعة المستفيدين من المخيمات؛ سيخلق هذا الإدراج الفعلي بعد أن يجد من يترافع عنه ويغنيه، رفيقا جديدا ومتميزا للأسرة وسيمكن المؤسسة التخييمية من مكانة متميزة والعمل الجماعاتي الاجتماعي من تطوير أهدافه فعليا بدفع السياسات والمخططات المحلية الجهوية لإبلاء الأهمية للموضوع بتبني طموح الوطن في خلق الشروط الموضوعية وتوفير الإمكانات اللازمة لتحقيق تربية مستمرة لأجيال اليوم والغد، ضمن مخططات تنموية مستمرة ومتكافئة بين الجهات والميادين.
ونضيف تتمة لمقترحنا هذا: ويمكن أن يكون هذا المقترح/ البرنامج برنامجا اختياريا، يدعم بقروض تفضيلية ويتم تنسيق ذلك من طرف لجنة مختلطة تدرس المقترحات وتبحث الأهداف والجدوى والأجرأة...، وذلك في إطار اختيارات تطوير الدولة الاجتماعية التي أصبح الجميع يؤطر بها أهدافه وتحركاته وعنصرا من عناصر النموذج التنموي الذي لا يغفل عناصر مكونة للمجتمع وتنميته في مخططاته وبرامجه، ويكون هدف الحماية الاجتماعية هو العنوان الكبير لأن قضاء العطلة والاستراحة من عناء سنة دراسية والاستعداد لسنة أخرى والابتعاد عن مخاطر الفراغ والشارع التي تعد من أهداف المخيمات هي جزء من الحماية الاجتماعية للأجيال الصاعدة.
وكذلك يمكن العمل في نفس الاتجاه نحو الهيئات التعاضدية المنتخبة والتي يساهم فيها المواطنون ماديا من أجورهم، بالدفع الى إشراكها في هذه العملية بدعمها المادي لتمتيع أبناء منخرطيها بمخيمات مفيدة ومريحة ليس فقط من تنظيم هيئاتها بل كل المخيمات التي يختارها المنخرطون لأبنائهم، وتنشئ مراكز وتساهم في أخرى حتى يكون استثمار أموال المنخرطين في المحاور الاجتماعية منتجا لهم بجانب الاستثمارات الأخرى لتلك الصناديق، ( واستطرادا لنفس المقاربة كمثال: فمخيمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يجب أن تفتح لأبناء المنخرطين كذلك وليس فقط لأبناء المستخدمين فيه، وبالتالي ستتوسع قاعدة المستفيدين من المخيمات بشكل يساهم في حل معضلة المراكز والفضاءات المحدودة...)
يأتي هذا المقال ضمن سلسلة المخيمات الصيفية / آراء فيما يجري المنشورة في موقع " أنفاس بريس ".  سلسلة نقط فوق الحروف حول قضايا تهم مخيمات الأطفال التربوية – الصيفية، كدعوة للنقاش حيث أن الجهات المسؤولة تتهرب من نقاش عمومي وحوار رسمي حول مظاهر أزمة المخيمات في مغرب اليوم وصيغ الاتفاق حول مخرجات مجتمعية لها.