أعادت صفقة انتقال اللاعب السابق لفريق توتنهام الويلزي «غاريث بيل»، والتي تجاوزت المائة مليون أورو الحديث عن السوق المجنون لانتقالات اللاعبين. مبالغ خيالية حولت المجال الكروي إلى فضاء واسع للمضاربة وترسيخ اللامعنى: لا معنى للمال، العمل، الجهد، التفوق الدراسي..
إعداد: محمد شروق
علماء الذرة والنووي وكبار الجراحين وجهابذة السياسة لا يحققون ما يحققه لاعب كرة يعرف فقط كيف يراوغ ويقذف ويسجل... فما بالك بأجير أو موظف قد يشتغل لمائة سنة دون أن يصرف سنتيما ولا يدخر حتى أجر أسبوع للاعب في إنجلترا؟! للإشارة فأجور اللاعبين هناك تصرف في نهاية الأسبوع، وكمثال فاللاعب التركي الألماني مسعود أوزيل المنتقل هذا الصيف من ريال مدريد إلى أرسنال سيقبض أسبوعيا حوالي 300 ألف أورو.
في هذا السوق تحولت الكرة والرياضة عموما في ظل الهواية من وسيلة لتمرير رسائل أساسها الروح الرياضية والتسامح والتآخي والمواطنة والتقارب بين الشعوب إلى واجهة في عهد الاحتراف لترسيخ مفاهيم من قبيل (الربح السريع والبحث عن المال، إدمان المنشطات، شراء نتائج المباريات، الرشوة...) وأيضا تشييء اللاعب/الإنسان وتحويله إلى سلعة بيت أيدي السماسرة.
وهذا الأمر ليس وقفا على مجال الكرة بل يهم الكثير من الأصناف الرياضية والفنية والمضاربة العقارية. وما بالك بالأطفال والشباب الذين يفتحون أعينهم كل يوم على مباهج الحياة ومفاتنها، يعيشون في بطالة وحرمان وعوز ويسمعون بهذه الملايير التي يتلقاها لاعبون شباب مثلهم؟ في هذه الحالة تتحول الكرة إلى عامل إحباط والى فتيل للحقد الطبقي. وربما هذا سبب من أسباب تحول مدرجات الملاعب إلى ساحة للشغب والعنف وتصريف المكبوت.
للتذكير، فإن الصفقات التي أبرمتها الأندية خلال سنة 2013 في 164 دولة بلغت ثلاثة مليارات و367 مليون دولار. وهو ما دفع بعض الأصوات، حتى من داخل الوسط الرياضي، ضد ارتفاع مبالغ الصفقات. فميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي قال إن نظام الانتقالات غير صحي وإن اللاعبين أصبحوا ملكا للوكلاء (السماسرة) والشركات. وعبر الرجل القوي في الكرة العالمية جوزيف بلاتير رئيس فيفا عن استيائه من هذه المبالغ الباهظة معبرا عن عجز الجميع عن الحد منها تاركين السوق يفرض منطقه الفاحش. لكن كل ما قيل لا يعني أن الأندية ترمي أموالها من النافذة، بل إن الأمر يتعلق باسستثمار مدروس يعود بالربح على النادي من خلال ارتفاع عائدات حقوق النقل التلفزي والزيادة في عدد المشتركين وبيع الأقمصة والاستفادة من عقود الاستشهار للاعبين. مثلا نادي ريال مدريد يبيع سنويا مليون وحدة من قميص لرونالدو، وارتفع عدد المشتركين في نادي باريس سان جرمان من تسعة آلاف إلى 31 ألف مشترك بعد شراء اللاعب إبراهيموفتش.
ذ. فؤاد بلمير، باحث في علم الاجتماع
حان الوقت لتدارك تأخر المغرب في مجال سوسيولوجيا الرياضة
100 مليون أورو كآخر أعلى رقم مالي في هذه البورصة يدفع إلى طرح الأسئلة التالية: ما عساه سيقدم هذا اللاعب القادم من مهد كرة القدم للبشرية؟ هل سيخفف من آلامها الصحية البدنية والنفسية؟ هل سيخرجها من فقرها وجهلها هل .... هل... هل....؟!! أسئلة يجيب عنها في هذا الحوار ذ.فؤاد بلمير، الباحث في علم الاجتماع...
+ كيف تقرأ انعكاس المبالغ الضخمة لسوق انتقالات اللاعبين وآخرها صفقة لاعب ريال مدريد غاريث بيل التي فاقت 100 مليون أورو على القيم في مجتمعات يعاني من من الأزمة والفقر؟
- إن الأموال الكبيرة المتداولة في البورصة الاقتصادية الرياضية، وخاصة في مجال كرة القدم الرياضة الأكثر انتشارا وسط جماهير وشعوب العالم إلى درجة أنها غدت بمثابة دين للبعض، لا تجد لها تفسيرا إلا في سياق مفهوم الاقتصاد الجديد الذي يميز مجتمع المعرفة والإعلام المستفيد من التقنيات الجديدة للاتصال والإعلام. 100 مليون أورو كآخر أعلى رقم مالي في هذه البورصة يدفع إلى طرح سؤال واحد إذا ما استوعبته يوما الجماهير العاشقة لهذه اللعبة التي أفقدها الرأسمال معناها وأزاحت عنها الأرباح الخيالية مبادئها وأهدافها لأعادت إلى هذه اللعبة مغزاها الترفيهي وأطرتها في خانة التنافس الشريف والتقارب والتعارف والمحبة والتسامح.
السؤال: ما عساه سيقدم هذا اللاعب القادم من مهد كرة القدم للبشرية؟ هل سيخفف من آلامها الصحية البدنية والنفسية؟ هل سيخرجها من فقرها وجهلها هل .... هل... هل....؟؟؟ الجواب إنه الاقتصاد الرأسمالي المستغل بشكل ذكي وممنهج لتقنيات الاتصال والإعلام المتحكمة في إمبراطورية الصورة.
+ المعروف أن للرياضة رسالة نشر التسامح والتنافس الشريف، فهل في ظل هذه المضاربة قد تصبح لها رسالة مضادة كتكريس ثقافة الاستهلاك والبحث عن المال مهما كانت الوسيلة؟
- الإجابة عن هذا السؤال يمر حتما عبر الاستعانة بالاستراتيجيات العشرة التي حددها المفكر الكبير نعوم شومسكي، وخاصة الاستراتيحية المتعلقة بالترفيه والألعاب إحدى العناصر الأساسية للضبط الاجتماعي التي تروم إلهاء الشعوب عن مشاكلها الأساسية: مشاكل الاقتصاد والصحة والتغذية والتعليم وتحويل اهتمامها نحو الألعاب التي توجد كرة القدم في صلبها، وذلك بإغراقها داخل طوفان من المعلومات غير ذي معنى بالنسبة إليها. إبقاء اهتمام الشعوب منصبا على كرة القدم معناه النجاح الكبير لهذا النظام الاقتصادي في فرض أسلحة صامتة من أجل حروب هادئة. الاقتصاد الجديد أطر هذه الرياضة الجميلة الجماعية في هذا المجال المالي الضخم وزج بها بقوة إعلامية متطورة ومدروسة في عالم الاستهلاك وحولها إلى عنصر أساسي للضبط الاجتماعي.
+ لماذا تغيب الرياضة والأسئلة والإشكالات المرتبطة بها عن اهتمامات علماء الاجتماع والباحثين المغاربة؟
- مع الأسف الشديد كل ما يتعلق بتنمية الجسد ما زالت من المواضيع البعيدة عن اهتمام المثقف المغربي والباحث الاجتماعي، حيث لا تعتبر من المواضيع النبيلة التي تستحق الاهتمام والدراسة و التحليل... في حين أنها في الدول الغربية حظيت بدراسات سوسيولوجية عميقة كشفت عن جوانبها المتعددة المرتبطة بالإعلام والمال والعنف وكيفية استعمالها للضبط الاجتماعي و... و...
إن كرة القدم حاضرة في السياسة، حاضرة في التسويق والإعلام، حاضرة في الاقتصاد وحاضرة في الحياة الاجتماعية للمغاربة. وعليه حان الوقت إن لم نكن قد سجلنا تأخرا ملموسا في إخضاعها للتحليل السوسيولوجي...
ألم يحن الوقت للتفكير على مستوى الجامعة المغربية في تكوين باحثين في علم الاجتماع الرياضي وعلم النفس الرياضي....
إن تطوير هذه اللعبة يمر حتما عبر التدبير العقلاني الذي لا يتحقق الا بدخول الرياضة إلى مدرجات الكليات والمعاهد العليا للاستفادة من المناهج العلمية....
أهم الصفقات في صيف 2013
- غاريث بيل: 100 مليون أورو: أسالت صفقة هذا اللاعب البالغ من العمر 24 سنة الكثير من المداد لأنه غير معروف ولا أحد يعتبره من خيرة لا عبي جيله. كل الضغط عليه كي يثبت أنه يستحق هذا المبلغ.
- ايدنسون كافاني: 64 مليون اورو: بصم هذا اللاعب على أغلى صفقة بالدوري الفرنسي بانتقاله من نادي نابولي الإيطالي إلى نادي باريس سان جرمان الذي يوجد في ملكية القطري الخليفي المدير العام لقناة الجزيرة الرياضية. كافاني سجل 104 هدفا في ثلاث سنوات.
- مسعود أوزيل: 45 مليون أورو: اللاعب الألماني ذو الأصل التركي 25 سنة فاجأ الجميع بانتقاله من ريال مدريد إلى أرسنال الانجليزي. ربما حبه لملكة جمال فنزويلا «عايدة يسبيكا» الذي تفوقه بست سنوات يكون وراء هذا الانتقال. مغادرته للقلعة البيضاء دفع عددا من نجوم النادي وفي مقدمتهم رونالدو وراموس إلى التمرد.
- نيمار: 57 مليون أورو: 21 سنة وبلغ النجومية لأنه يملك خصائص اللاعب المميز يعتبر مستقبل الكرة البرازيلية. جلبه للفريق الأول في العالم برشلونة سيفتح له آفاقا أوسع.
- رماديل فالكاو: 60 مليون أورو: يلقب هذا اللاعب الكولومبي بالنمر وحقق الموسم الماضي لقب ثالث هداف بالدوري الإسباني بعد ميسي ورونالدو. اللاعب البالغ من العمر 27 سنة كنا ننتظره في ناد أكبر إلا أن بريق المال حوله إلى نادي موناكو الفرنسي.
- رودريغيز: 45 مليون أورو:
تميز صيف 2013 بصفقات مماثلة من قبيل انتقال الكولومبي جيمس رودريغيز (22 سنة) من نادي بورطو البرتغالي إلى نادي موناكو بمبلغ 45 مليون أورو، وانتقال الألماني ماريو غوتز بـ 37 مليون أورو من باييرن ميونيخ إلى دورتموند، وبنفس المبلغ تحول الأرجنتيني غونزالو هيغوين من ريال مدريد إلى نابولي.