الخميس 28 مارس 2024
سياسة

البحيري: التحرك العسكري المغربي جاء في سياق الدفاع الشرعي وفق مقتضيات المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة

البحيري: التحرك العسكري المغربي جاء في سياق الدفاع الشرعي وفق مقتضيات المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة العميد يوسف البحيري

تستضيف "أنفاس بريس" في هذا الحوار الهام العميد يوسف البحيري، الخبير الدولي وأستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق بمراكش، للقيام بقراءة قانونية لتدخل القوات المسلحة الملكية في اطار التشبث بمبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية، لتحرير المعبر الحدودي للكركرات إعادة فتحه أمام الحركة التجارية والاقتصادية ونقل الأشخاص والبضائع بين المغرب وموريتانيا وافريقيا جنوب الصحراء، بعد قيام ميليشيات البوليساريو بإغلاق هذا المعبر الحدودي منذ 21 اكتوبر الماضي، وهو ما  تتوفر فيه أركان الأعمال العدائية التي تشكل انتهاكا جسيما للسلم والأمن الدوليين و خرق اتفاق وقف اطلاق النار لعام  1991 تحت رقابة مجلس الامن .

 

ماهي قراءتكم للتداعيات المحيطة بالتدخل العسكري المغربي لتحرير المعبر الحدودي الكركرات من سيطرة ميليشيات البوليساريو؟

تتبع الرأي العام الوطني والدولي التحرش والاستفزاز الذي تقوم به ميليشيات بوليساريو، منذ أسابيع في المعبر الحدودي الكركرات الذي يبلغ مساحته بضعة كيلومترات مربعة قرب الحدود المغربية الموريتانية، ما تسبب في قطع الطريق في وجه الحركة التجارية والمدنية ونقل الاشخاص والبضائع نحو موريتانيا. فمخطط قيادة البوليساريو المدعومة من قبل الجزائر، هو الاستفزاز والاستمرار في سياسة الضغط على المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة قبل اصدار القرارات الاممية وذلك بإغلاق المعبر الحدودي الكركرات لفرض سياسة الأمر الواقع، في خطوة تهدف إلى تكرار نفس السيناريو بالتزامن مع صدور القرار الأممي الخاص بنزاع الصحراء المغربية في 31 أكتوبر 2020.

فقيام ميليشيات البوليساريو بإغلاق المعبر الحدودي الكركرات تتوفر فيه أركان الأعمال العدائية التي تشكل انتهاكا جسيما للسلم والأمن الدوليين من خلال خرق اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1991 تحت رقابة مجلس الامن وزعزعة السيادة الوطنية لدولتين عضويتين في هيئة الامم المتحدة المغرب وموريتانيا والاستقرار في المنطقة الذي يتجلى في وقف حركة التنقل المدنية والتجارية، ونقل الاشخاص والبضائع في معبر الكركرات الرابط بين المغرب وموريتانيا منذ 21 اكتوبر الماضي من قبل ميليشيات البوليساريو.

وانسجاما مع مبادئ الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة والشرعية الدولية، قرر المغرب التحرك عسكريا بعد فترة طويلة من التريث وضبط النفس، وفقا لمقتضيات المادة51  من ميثاق الامم المتحدة المتعلقة بالدفاع الشرعي،  لمواجهة الخروقات الخطيرة المتجلية في وقف حركة التنقل المدنية والتجارية في المعبر الحدودي الكركرات من طرف ميليشيات البوليساريو،  وذلك عقب رفض الأطراف الأخرى الجزائر وصنيعتها البوليساريو الامتثال للنداءات المتكررة للأمين العام للأمم المتحدة بمغادرة المنطقة العازلة وتجنب التهديد العسكري الذي يسعى الى زعزعة الاستقرار وتغيير الوضع بالمنطقة، ويشكل انتهاكا خطيرا لاتفاق وقف إطلاق النار وهو ما تتوفر فيه اركان الاعمال العدائية وتهديد  السلم والامن الدوليين وفق الفصل السابع من الميثاق.

 وأفادت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج أنه بعدما التزمت المملكة المغربية بأكبر قدر من ضبط النفس أمام استفزازات ميليشيات البوليساريو، “لم يكن أمامها من خيار آخر سوى تحمل مسؤولياتها من أجل وضع حد لحالة العرقلة الناجمة عن هذه التحركات وإعادة إرساء حرية التنقل المدني والتجاري”.

وذكرت الوزارة أنه بعد التهديد العسكري الذي قامت به “البوليساريو” يوم 21 أكتوبر 2020، أكد الملك محمد السادس الذي يدعم عمل الأمين العام للأمم المتحدة، في رسالة إلى السيد غوتيريش أنه “لا يمكن إطالة أمد الوضع القائم. وإذا استمر هذا الوضع، فإن المملكة المغربية، وفي احترام لصلاحياتها، وبموجب مسؤولياتها، وفي تناغم تام مع الشرعية الدولية، تحتفظ بالحق في التدخل، في الوقت وبالطريقة التي تراها ضرورية للحفاظ على وضع المنطقة وإعادة إرساء حرية التنقل والحفاظ على كرامة المغاربة”.

 

إلى أي حد يمكن اعتبار إغلاق ميليشيات البوليساريو للمعبر الحدودي الكركرات يشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي؟

إن قيام ميليشيات البوليساريو بالعمليات العدوانية المتمثلة في اغلاق المعبر الحدودي الكركرات والتي هي بلدة في الأصل أرض مغربية قريبة من الحدود الموريتانية تقع داخل منطقة عازلة  بالقرب من الجدار الأمني، حيث تم الاتفاق منذ توقيع اتفاقية وقف اطلاق النار عام 1991 على ان تبقى تحت مسؤولية بعثة الأمم المتحدة (المينورسو) ، والتي تسببت في تهديد السلم والامن الدوليين والحاق الضرر بالمصالح الاقتصادية والتجارية للمغرب والعديد من الدول الافريقية جنوب الصحراء؛ من خلال منع وعرقلة حركة المرور عبر نقطة العبور الكركرات وتضرر تدفق الخضر والفواكه وغيرها من البضائع التي تخرج من السوق المغربية في اتجاه موريتانيا وباقي دول إفريقيا.

إن هذه العمليات العدوانية لمرتزقة البوليساريو تتوفر فيها اركان جريمة الحرب وانتهاكا للقانون الدولي وتقويضا لحفظ عملية السلم والامن الدوليين في المنطقة، خصوصا وأنه منذ 2016، تتبع هيئة الامم المتحدة بقلق واستياء العمليات العدائية للبوليساريو في هذه المنطقة العازلة، التي تخرق اتفاقية وقف اطلاق النار عام 1991، مما دفع  الأمين العام للأمم المتحدة لتنبيه البوليساريو لخرقها لقرارات مجلس الأمن، لاسيما القرارين رقم 2414 و2440، ومطالبته البوليساريو بوضع حد لهذه الأعمال الهادفة إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.

وفي نفس السياق، طالبت بعثة المينورسو من المجموعات الانفصالية المتواجدة بمعبر الكركرات بمغادرة المنطقة فورا، ووقف الأعمال التي من شأنها تأجيج الوضع بالمنطقة العازلة. كما أكدت بعثة المينورسو بالعيون على أن "المجموعات الانفصالية المحتجة رفضت الإنصات لتوجيهات عناصر بعثة المينورسو التي طالبتها بمغادرة المنطقة فورا، ووقف الأعمال التي من شأنها تأجيج الوضع بالمنطقة العازلة". كما نبهت بعثة المينورسو المجموعات الانفصالية المحتجة من مغبة شل حركة المدنيين الذين يتنقلون عبر المعبر الحدودي، غير أن عناصر جبهة البوليساريو واجهتهم بالتجاهل وعدم الإذعان لمطالب البعثة الأممية الخاصة بمراقبة وقف إطلاق النار. وهو ما دفع المينورسو إلى رفع تقرير إلى الأمين العام للأمم المتحدة تشرح فيه كل الأحداث والوقائع التي حدثت بالمنطقة العازلة، مشيرة الى أن "البعثة تحاول مراقبة الوضع إلى حين صدور قرارات أممية بهذا الشأن".

ويجمع العديد من المهتمين إلى أن العمليات العدائية لميليشيات البوليساريو، تأتي ردا على قرار مجلس الأمن رقم 2548 المعتمد في 30 أكتوبر المنصرم، والذي أبان من خلاله مجلس الأمن عن وضوح وثبات في دعمه للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي وصفها بالمبادرة “الجادة وذات المصداقية”. كما أكد القرار الأخير لمجلس الأمن على الإقبار النهائي لأوهام الجزائر والبوليساريو. وفي الوقت ذاته وضح مجلس الأمن في تعريفه للحل السياسي، الذي ينبغي أن يكون “واقعيا، وبراغماتيا، ومستداما، وقائما على التوافق”، وكذا للمسلسل الحصري الذي يجب أن يفضي إليه: وهو مسلسل الموائد المستديرة بمشاركة المغرب والجزائر، وموريتانيا، و”البوليساريو”، المطالبين بمواصلة الالتزام بروح من الواقعية والتوافق طوال مدته وبشكل يحقق الغاية منه.

ومن هذا المنطلق، فجبهة البوليساريو الانفصالية أغلقت معبر الكركرات الحدودي الفاصل بين المغرب وموريتانيا، في خطوة تروم زعزعة استقرار المنطقة وتأجيج الوضع بعد سلسة من الانكسارات السياسية والدبلوماسية على مستوى منظمة الأمم المتحدة. هذا في حين أن العديد من التقارير الدولية تؤكد على ان البوليساريو تفرض حصارا على المدنيين وتحجزهم في معتقلات بالمخيمات بهدف منعهم من التنقل و مغادرة اماكن الاحتجاز وتمنع عنهم ابسط المستلزمات الضرورية مما يؤدي الى ارتفاع معدل الوفيات في صفوف الأطفال والنساء و تجويع المدنيين في تندوف في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني والاتفاقية الرابعة لجنيف لعام 1949.

 

كيف تعلقون على أن التدخل العسكري المغربي تم في إطار الالتزام بالشرعية الدولية لتأمين فتح المعبر الحدودي الكركرات أمام نقل الأشخاص والبضائع؟

قامت القوات المسلحة الملكية، يوم الجمعة الماضي، بعملية تحرير المعبر الحدودي الكركرات واعادة فتحه امام التبادل التجاري ونقل الاشخاص والبضائع وتطهيره من ميليشيات البوليساريو، التي سيطرت على حركة السير عبر المعبر منذ 21 اكتوبر المنصرم دون أي اكتراث لنداءات هيئة الأمم المتحدة والمينورسو. وجاء التحرك العسكري المغربي في سياق الدفاع الشرعي وفق مقتضيات المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة والتي تنص على ما يلي: "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا أعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي إتخذها الأعضاء تطبيقا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تأثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام هذ الميثاق، من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه".

 إن التدخل العسكري المغربي تم بتنسيق تام مع هيئة الامم المتحدة، التي أدانت العمليات العدائية المتكررة للبوليساريو في المعبر الحدودي الكركرات، الأمر الذي ساهم في تعزيز موقف المملكة المغربية، على الساحة الدولية، انطلاقا من مبدأ احترام الشرعية الدولية. لقد أقامت القوات المسلحة الملكية حاجزا أمنيا على مستوى هذا المعبر الحدودي، الأمر الذي أجبر ميليشيات البوليساريو على الفرار بعد أن قامت بإحراق خيامها التي نصبتها جنوب المعبر الحدودي المغربي.

لقد أفاد بلاغ للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، اليوم الجمعة، أن معبر الكركرات بين المغرب وموريتانيا، أصبح في الوقت الحاضر مؤمنا بشكل كامل من خلال إقامة القوات المسلحة الملكية لحزام أمني بتعليمات سامية من جلالة الملك، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية. ووضح نفس البلاغ أنه “طبقا للتعليمات السامية لجلالة الملك، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، تم يوم 13 نونبر 2020، القيام بعملية، وفقا لقواعد تدخل واضحة تقتضي تجنب أي احتكاك بالأشخاص المدنيين”. وأضاف المصدر ذاته أنه خلال هذه العملية، فتحت الميليشيات المسلحة للبوليساريو النار على القوات المسلحة الملكية التي ردت عليها، وأجبرت عناصر هذه المليشيات على الفرار دون تسجيل أي خسائر بشرية، مؤكدا أن هذه العملية تأتي على إثر إغلاق ميليشيات البوليساريو للمحور الطرقي العابر لهذه المنطقة الرابطة بين المغرب وموريتانيا. وخلص البلاغ إلى أن “معبر الكركرات أصبح الآن مؤمنا بشكل كامل من خلال إقامة حزام أمني يؤمن تدفق السلع والأفراد عبر الممر الذي يربط بين المركزين الحدوديين”.

وأوضحت الوزارة في بلاغ أن هذه العملية الرامية إلى وضع حد نهائي للتحركات غير المقبولة لـ”البوليساريو”، تأتي بعد إعطاء الفرصة كاملة لإيجاد حل دبلوماسي من خلال المساعي الحميدة للأمم المتحدة. كما أكد البلاغ على أن المغرب “يظل متشبثا بقوة بالحفاظ على وقف إطلاق النار”، مشيرا إلى أن العملية التي قامت بها القوات المسلحة الملكية تروم، على وجه التحديد، تعزيز وقف إطلاق النار من خلال الحيلولة دون تكرار مثل هذه الأعمال الخطيرة وغير المقبولة التي تنتهك الاتفاق العسكري وتهدد الأمن والاستقرار الإقليميين.

وتابع البلاغ ذاته بأن المملكة المغربية كانت قد نبهت في حينه الأمين العام للأمم المتحدة وكبار المسؤولين الأمميين وأطلعتهم بانتظام على هذه التطورات الخطيرة للغاية، مبرزا أن المغرب طلب أيضا من أعضاء مجلس الأمن والمينورسو، وكذا عدة دول جارة، أن يكونوا شهودا على هذه التحركات. وشدد نفس البلاغ على أن هذه العملية التي "ليست لها نوايا عدوانية"، وأنها "تتم وفق قواعد التزام واضحة، تقوم على تجنب أي احتكاك مع أشخاص مدنيين وعدم اللجوء إلى استعمال السلاح إلا في حالة الدفاع الشرعي".